الدكرورى يكتب عن الملكة بلقيس بنت شراحيل ” جزء 3″
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
الملكة بلقيس بنت شراحيل ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع الملكة بلقيس بنت شراحيل، فألهاه ما سمع منها، وما أعطته من نفسها من القرب وهي تعمل فيه بالخمر دأبا، حتى علمت أن الخمر عملت فيه، فقدمت إليه وسلت سكينتها من قرونها، ثم نحرته، فلما مات جرته فألقته في ركن مجلسه وألقت عليه بعض فرش المجلس، ثم خرجت إلى الحرس في جوف الليل، وقالت لهم يأمركم الملك بفلان أن تأتوا به، فلمّا أتوا به وكان يتبعه ألوف من حمير، فلم تزل ترسل إلى ملوك حمير وأبناء الملوك المسموع منهم المتبوعين، فلمّا اجتمعوا إليها في قصر غمدان، خرجت عليهم فقالت لهم إن الملك قد تزوجني على أني برئت إليه من ملكي في حياته وأنتم تعلمون أنه لا يولد له، فلما علم مني الخضوع بحقه والاستسلام لإرادته والطاعة لأمره، فوّض إليّ بعده ورآني أهلا له، وأمرني أن آخذ عليكم بذلك عهدا.
قالوا سمعا وطاعة للملك فيما أراد، فأخذت عليهم العهد أن لها الملك بعد عمرو ذا الأذعار، فلما توثقت منهم قالت لهم هل تسمعون من الملك فأدخلتهم المجلس، وقالت لهم ها هو ذا، وكشفت عنه فرأوه قتيلا، قالوا لها من فعل هذا به؟ قالت لهم أنا ولي العهد عليكم بالملك بعد موته، وهذا هو قد مات وعهده لكم لازم، قالوا لها أنتي أولى بالملك إذ أرحتنا من هذا الرجس الجائر، فوليت بلقيس ملكهم، ولما وليت بلقيس ملك حمير، قالت حمير رجع الملك إلى نجلته الأولى، ثم جمعت الجيوش العظيمة وسارت إلى مكة، فاعتمرت وتوجهت إلى أرض بابل، فغلبت على من كان بها من الناس، وبلغت أرض نهاوند وأذربيجان، ثم قفلت إلى اليمن، ومن الأعمال العمرانية التي قامت بها بلقيس، إنها رفعت مجدها إلى أبعد صيت، وترميمُها سد مأرب.
الذي كان الزمان قد أضرّه وخلخل أوصاله، الذي يجمع مياه السيول المنحدرة من مشارق صنعاء، وكما بنت قصرها به ثلثمائة وستون نافذة، وبني بشكل هندسي فني، بحيث يدخل ضوء الشمس كل يوم من نافذة على مدار السنة وسمي على إسمها قصر بلقيس، الذي لا تزال آثاره حتى اليوم باقية، ولقد استقرت في عهد بلقيس أحوال الناس، وازدهرت الزراعة والتجارة، وازدادت ثروات البلاد، وبلقيس هذه هي صاحبة الصرح الذي ذكره الله عز وجل في القرآن الكريم في قصة نبي الله سليمان عليه السلام، وينسب إليها أيضا قصر بلقيس الذي بمأرب، وكان نبى الله سليمان عليه السلام ينزل عليها حين تزوجها فيه إذا جاءها، وكان لبلقيس حراس من الرجال الذين يؤازرونها، وبطانة من النساء، وكان عندها ثلاثمائة وستون امرأة من بنات أشراف حمير.
فكانت تحبس الجارية حتى تبلغ، ثم تحدثها حديث الرجال، فإذا رأتها قد تغير لونها ونكست رأسها، عرفت أنها أرادت الرجال فسرحتها إلى أهلها، ووصلتها وزوجتها وأحسنت إليها، ولا تزوجها إلا من أشراف قومها، وإذا رأتها مستمعة لحديثها معظمة لها أطالت النظر غير متغيرة اللون ولا مستحية من الحديث، علمت أنها تريد فراقها وأن الرجال ليسوا من بالها، وكانت بلقيس صائنة لنفسها، غير واقعة في المساوي، ولا غافلة عن المكارم، وكانت لا أرب لها في الرجل، فظلت عذراء حتى تزوجها سليمان عليه السلام، وكان نبى الله سليمان عليه السلام رجلا مهيبا لا يبتدئ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه، فخرج يومئذ فجلس على سريره، فرأى رهجا قريبا منه، فقال ما هذا؟ قالوا، بلقيس يا نبى الله، قال وقد نزلت
ثم بعثت بلقيس لنبي الله سليمان بهديه، واختارت أربعين رجلا لم تدع في أبناء الملوك أجمل منهم ولا أعقل ولا أرشد ثقة ولا أبعد غاية ولا أعلى صوتا، وكانت الهدية التي أرسلتها لنبي الله سليمان مائة وصيف ومائة وصيفة وُلدوا في شهر واحد وليلة واحدة، وأرسلت إليه بحُق مملوء ذهبا وفضة ودرا وياقوتا وزبرجدا وزمردا، وختمت على الحُق، وألبست الوصائف والوصفاء زيا واحدا ليُظن من رآهم أنهم كلهم غلمان، وأرسلت إليه بخيل عتاق ذكور وإناث، وقالت لرسلها مروه يخبركم بفرق بين الذكور والإناث من الخيل بعضها من بعض من غير أن يخبره أحد، ومروه أن يخبركم بما في الحق الذي لا اختلاف فيه، وإياكم أن يجيب كل واحد عن نفسه فيقع الاختلاف فيرتاب منكم، فمضوا، وجمعت بلقيس أشراف حمير فقالت خذوا في أهبّة الحرب.