الدكرورى يكتب عن الملكة بلقيس بنت شراحيل ” جزء 2″
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
الملكة بلقيس بنت شراحيل ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع الملكة بلقيس بنت شراحيل، وأن الله عز وجل لم يحرمها من وافر عطائه الدنيوى، ليصفها فى كتابه الكريم وعلى لسان الهدهد، بأنها “تملكهم” يقصد قوم سبأ، و”أوتيت من كل شىء” و”لها عرش عظيم” ففى قوله تعالى “امرأة تملكهم” إشارة واضحة إلى إحكام الهيمنة والسيطرة وكمال التمكين من قبل الملكة بلقيس على مختلف مفاصل السلطة وشتى أصقاع البلاد بغير منغصات أمنية أو سياسية على شاكلة تحديات التغلغل، وأزمات الشرعية، أو مناوئة الحكم من خلال محاولات التمرد أو الحركات الانفصالية، فعلى رغم كونها أول امرأة ملكة تنتزع حكم سبأ بشق الأنفس، ظلت الملكة بلقيس تنعم بحالة من الرضاء التام والولاء المطلق من قبل قومها، لاسيما بعد أن حققت مقاصد الدولة وأنجزت مهام النظم الحاكمة على الوجه الأكمل.
إذ حيدت الأعداء بعدما كسرت شوكتهم وأمنت البلاد والعباد من شرورهم، ووطدت أركان ملكها بالعدل وساست شعبها بالحكمة، كما رسخت أسس التنمية الشاملة والمستدامة بعدما قامت بترميم سد مأرب الذى نالت منه السنون، وأرست دعائم الديمقراطية ودولة المؤسسات، واعتمدت الآليات السليمة لصنع واتخاذ القرار، حتى أضحت مملكة سبأ طيلة سنى حكم بلقيس، واحة للاستقرار والازدهار والتألق الحضارى، وكانت الملكة بلقيس ملكة على سبأ من أهل اليمن في زمن نبوة سليمان عليه السلام، وكانت ملكة جليلة راجحة العقل، ملكت في اليمن ملكا واسعا، ونهضت بأعباء مملكتها خير نهوض، فشيدت قصورا عوالي، وخلفت بعدها مجدا لا تطمس معالمه على مدى الدهر، ولا تزال آثاره تنطق بعظمته وسناء منزلته، فالملكة التي تحمل هذه الصفات.
هي بلقيس ابنة ذي شرح، ملكة سبأ، وكما قيل أنها كانت تتزين بأنواع من الذهب والفضة وفي الروايات أنها كانت تهتم بقوامها ومظهرها، وكان كرسي حكم بلقيس كان على هيئة أريكة أو ما يشبه السرير فقد صنع من الذهب وله أربع قوائم وكل قائم مرصع بنوع من الأحجار الزمرد، الزبرجل، الياقوت، والفيروز اليماني كما كان كرسي بلقيس به نقوش من خيوط من فضة وقد وصفه هدهد نبي الله سليمان عليه السلام هذا الكرسي بعرش بلقيس العظيم، وإن أشهر حادثة مرت بها بلقيس، وغيرت مجرى حياتها، وحياة شعبها هو التوحيد لله، ودخولها في الدين، وهي قصتها مع النبي سليمان بن داود عليهما السلام، وقد اختلف أهل الأنساب بأنها ابنة اليشرح، ويقول بعضهم إنها ابنة إيلي شرح، ويقول بعضهم إنها إبنة ابن ذي شرح بن ذي جدن بن إيلي شرح بن الحارث بن قيس بن صفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب.
وفي رواية إنها بلقيس ابنة الهدهاد ابن شرحبيل بن عمرو بن غالب بن السياب بن سبأ، وقصة الملكة بلقيس التي عاصرت نبي الله سليمان عليه السلام في القرن العاشر قبل الميلاد من أجمل قصص القرآن الكريم فيها سنجد كيف تجتمع الملوكية والجمال، ومن جهة أخرى الحشمة والقوة في شخصيه واحده، وكيف كان ذلك اللقاء الأول مع نبي من أنبياء الله، وعاشت بلقيس والنبي سليمان عليه السلام أجمل القصص لتكون زوجة نبي أثمرت من خلال هذا الزواج بأن رزقا بطفل، وقيل أنه قبل وفاة والدها الملك الهدهاد أوصى بخلافتها في الحكم، بقوله إني رأيت الرجال، وعرفت أهل الفضل وسيرتهم، وشهدت من أدركت من ملوكهم، فلا والذي أحلف به، ما رأيت مثل بلقيس رأيا، وعلما، وحلما، وبعد وفاة أبيها تولت أمر اليمن كله، وانقادت لها ملوك حمير.
وزحفت بالجيوش إلى بابل، وفارس والعراق، وأخضعتها وولت عليها أمراء، ومن ثم عادت إلى اليمن، فاتخدتها ممكلة تدير من خلالها شوؤنها في اليمن وخارجها، ولما وليت بلقيس الملك ازدرى قومها بمكانها، لما كانت امرأة وأنفوا من أن يلي أمرهم امرأة، وبلغ ذلك عمرا ذا الأذعار، فجمع الجيوش ونهض إلى بلقيس فلم تكن لها طاقة، فهربت مكتتمة بأخيها عمرو ابن الهدهاد وهما في زي أعرابيين حتى أتت جعفر بن قرط الأسدي، ثم عملت على حيلة دبرتها، فدخلت على خصمها عمرو ذي الأذعار، وقد بهره جمالها، فأمر بالخمر يُنادمها كما كان ينادم بنات الملوك ويفعل بهن، فلما أخذت الخمر منه همّ بها، فقالت أيها الملك سترى مني من المال أكثر مما رأيت من الحرص، حاجتي فيك أعظم من حاجتك في، وسامرته أحسن مسامرة، فألهاه ما سمع منها.