الدكروري يكتب عن أحوال في شهر رجب ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الرابع مع أحوال في شهر رجب، وقال ابن حجر ويؤيده ما أخرجه ابوداود والنسائي وابن ماجة وصححه الحاكم وابن المنذر عن نبيشة قال “نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا ؟ قال صلى الله عليه وسلم “اذبحوا في أي شهر كان” وقال ابن حجر فلم يبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم العتيرة من أصلها وإنما أبطل خصوص الذبح في شهر رجب، وأما عن حادثة الإسراء والمعراج، وهل وقعت في شهر رجب أم لا؟؟ فإن حادثة الإسراء والمعراج حادثة عظيمة، وآية كبيرة، ومعجزة للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وهي ظاهرة باهرة، وقد جاء إثباتها في القرآن العظيم، وتكاثرت فيها نصوص السنة النبوية الصحيحة، إلا أنه مع ذلك لم يصح في تعيين وقت وقوعها حديث واحد ولا أثر.
لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، ولا عن تلامذتهم من التابعين، وقد اختلف العلماء في تحديد زمن وقوعها اختلافا كبيرا، فمنهم من قال إنها كانت في شهر ربيع الأول، ومنهم من قال في ربيع الآخر، ومنهم من قال في رجب، ومنهم من قال في رمضان، ومنهم من قال في شوال، ومنهم من قال في ذي القعدة، ومنهم من جعلها في أوائل الشهر، ومنهم من جعلها في أوساطه، ومنهم من جعلها أواخره، ومن أضعف الأقوال قول من قال إنها كانت في شهر رجب في ليلة السابع والعشرين منه، حتى قال الفقيه المالكي الشهير بابن دحية رحمه الله “وذكر بعض القصّاص أن الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب” وقال الفقيه الشافعي ابن العطار الدمشقي رحمه الله “وقد ذكر بعضهم أن المعراج والإسراء كان فيه، ولم يثبت ذلك”
وأما عن الصوم في شهر رجب؟ فإنه لم يصح في فضل الصوم في رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، وإنما يشرع فيه من الصيام ما يشرع في غيره من الشهور، من صيام الاثنين والخميس والأيام الثلاثة البيض وصيام يوم وإفطار يوم، والصيام من سرر الشهر وسرر الشهر وقد قال بعض العلماء أنه أول الشهر وقال البعض أنه أوسط الشهر وقيل أيضا أنه آخر الشهر، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهى عن صيام رجب لما فيه من التشبه بالجاهلية كما ورد عن خرشة بن الحر قال رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام ويقول “كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية” وقال الإمام ابن القيم ولم يصم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة الأشهر سردا، أي رجب وشعبان ورمضان.
كما يفعله بعض الناس ولا صام رجبا قط ولا استحب صيامه، وقال الحافظ ابن حجر في تبين العجب بما ورد في فضل رجب، أنه لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معيّن ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ وكذلك رويناه عن غيره، وفي فتاوى العلماء قالوا “أما تخصيص أيام من رجب بالصوم فلا نعلم له أصلا في الشرع ” وأما عن حُكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج والاجتماع لها؟ فإن حادثة الإسراء والمعراج معروفة ومشهورة، وقد ذكرها الله تعالى في كتابه، وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح سنته، وأجمع على وقوعها العلماء، ومع هذا لم يرد الاحتفال بها والاجتماع لها لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه.
ولا عن تلامذتهم من التابعين، ولا عن أحد من أهل القرون الأولى، ولا عن أحد من الأئمة الأوائل كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وغيرهم، بل هذا الاحتفال والاجتماع عند جميعهم متروك ومهجور ليس بمعمول به ولا معروف، ولا ريب أن هذا الترك للاحتفال والاجتماع من هؤلاء وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يكفي كل عاقل حريص على دينه في أن لا يكون من المحتفلين والمجتمعين، ولا من الداعين إلى هذا الاحتفال والاجتماع، ولا مِن المباركين به، ولا من الداعمين بمال وطعام وشراب ومكان لأهله، ويكفيه أيضا في إبطاله والإنكار على أهله، أو على من يسهل فعلهم، ويهون مِن شأنه، إذ لو كان هذا الاحتفال والاجتماع من الخير والهدى، والرشد والصلاح، وزيادة الدين وقوته، لما تركه أشد الناس تعظيما وانقيادا لله ورسوله وشرعه.