الدكروري يكتب عن أحوال في شهر رجب ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
لقد ذهب ومضي عنا أيام وليالي وشهور وسنين كثيرة ونحن في غفلة شديدة عن الآخرة، وتنافس كبير على العاجلة، وضعف وتقصير وتكاسل عن أعمال البر الطيبة، وتسويف وتباطؤ عن التوبة والإنابة،
وما أكثر ما سمعنا إن شخص عزيز علينا قد قضى نحبه ومات، وترك ماله وأهله وأصحابة، وأصبح في قبره رهين أعماله، وفيها الصالح أو السيئ من أقواله وأفعاله واعتقاداته، ألا فهل من مُتعظ ومعتبر؟ وهل من تائب عن آثامه؟ وهل من تارك لبدعه وضلالاته؟
وهل من كافي عن مخالفته لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟ قبل أن تأتي عليه ساعة سكرته، وتحل بِه لحظة منيّته، ويعاني حشرجة صدره، ويكابد منازعة روحه، قبل أن ينطق نادما متوجعا فيقول ” يا حسرتا علي ما فرطت في جنب الله” فإن للأشهر الحرم مكانة عظيمة عند الله عز وجل.
ومنها شهر رجب لأنه أحد هذه الأشهر الحرم حيث قال تعالى ” يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ” أي لا تحلوا محرماته التي أمركم الله بتعظيمها ونهاكم عن ارتكابها فالنهي يشمل فعل القبيح ويشمل اعتقاده، وقال تعالى ” فلا تظلموا فيهن أنفسكم ” أي في هذه الأشهر المحرمة، والضمير في الآية عائد إلى هذه الأربعة الأشهر على ما قرره إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله،
فينبغي مراعاة حرمة هذه الأشهر لما خصها الله به من المنزلة والحذر من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرا لما لها من حرمة، ولأن المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الذي حرّمه الله، ولذلك حذرنا الله في الآية السابقة من ظلم النفس فيها مع أنه أي ظلم النفس ويشمل المعاصي يحرم في جميع الشهور، وإن الابتداع في الدين من الأمور الخطيرة.
التي تناقض نصوص الكتاب والسنة النبوية الشريفة، فالنبي صلى الله عليه لم يمت إلا وقد اكتمل الدين حيث قال تعالى ” اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ” وجاء عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله عليه وسلم “من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد” متفق عليه وفي رواية للإمام مسلم “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد” وقد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة، ولم يصح شيء من ذلك، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم وُلد في أول ليلة منه، وأنه بعث في ليلة السابع والعشرين منه، وقيل في الخامس والعشرين
، ولا يصح شيء من ذلك، وروي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في السابع والعشرين من رجب، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره.
فأصبح من بدع هذا الشهر قراءة قصة الإسراء والمعراج والاحتفال بها في ليلة السابع والعشرين من رجب، وتخصيص تلك الليلة بزيادة عبادة كقيام ليل أو صيام نهار، أو ما يظهر فيها من الفرح والغبطة، وما يقام من احتفالات تصاحبها المحرمات الصريحة كالاختلاط والأغاني والموسيقى وهذا كله لا يجوز في العيدين الشرعيين فضلا عن الأعياد المبتدعة،
أضف إلى ذلك أن هذا التاريخ لم يثبت جزما وقوع الإسراء والمعراج فيه، ولو ثبت فلا يعد ذلك شرعا مبررا للاحتفال فيه لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضوان الله عليهم ولا عن أحد من سلف هذه الأمة الأخيار ولو كان خيرا لسبقونا إليه ، وقد ابتدع بعض الناس في رجب أمورا متعددة ما أنزل الله بها من سلطان ولم يأتي بها النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم.
وإن من البدع المبتدعة في شهر رجب هي صلاة الرغائب، وهذه الصلاة شاعت بعد القرون المفضلة وبخاصة في المائة الرابعة وقد اختلقها بعض الكذابين وهي تقام في أول ليلة من رجب وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأن صلاة الرغائب بدعة باتفاق أئمة الدين كمالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث وغيرهم والحديث المروي فيها كذب بإجماع لأهل المعرقة بالحديث، وإن من الأمور المحدثة في شهر رجب هو صلاة أم داود في نصف رجب،
والتصدق عن روح الموتى في رجب، والأدعية التي تقال في رجب بخصوصه كلها مخترعة ومبتدعة، وتخصيص زيارة المقابر في رجب وهذه بدعة محدثة أيضا فالزيارة تكون في أي وقت من العام، فأماعن حكم تخصيص شهر رجب أو أول يوم منه أو أول جمعة أو خميس منه بالصيام؟