الزيارة .. قراءة إبداعية جديدة لمعاناة عايشتها الذات الإنسانية
متابعة – علاء حمدي
ضمن فاعليات مهرجان إبداع للعروض المسرحية فى دورته العاشرة، الذى يقام حالياً على خشبة مسرح وزارة الشباب والرياضة، وتحت رعاية الأستاذ الدكتور أشرف صبحى وزير الشباب والرياضة، والأستاذ الدكتور حاتم البلك رئيس جامعة سيناء، والأستاذ ادكتور عبد الحميد عبده عميد فرع العريش، والأستاذ الدكتور أحمد أباظة المستشار التربوى للجنة الفنية ، وبحضور لجنة التحكيم والمكونة من إيزيس المسرح المصرى الفنانة القديرة سهير المرشدى، والمخرج الكبير عصام السيد، والفنان القدير سامح الصريطى، قدم منتخب جامعة سيناء العرض المسرحى زيارة السيدة العجوز وهى رائعة الكاتب العالمى ألفريدريش دورنيمات، ترجمة أنيس منصور، ديكور حسناء بدوى، إيقاعات كريم منصور، ملابس روان أبو زيد، إخراج محمد الملكى، وبطولة محمود مقرب فى دور آل، حسناء بدوى فى دور كلارا، محمد عبد الرحمن فى دور القس، وعدد من أبطال الفريق .
تدور أحداث العرض حول زيارة السيدة كلارا لبلدتها التى هجرتها منذ سنين عديدة، بسبب إعتداء ألفريد عليها وإنجابها منه طفلاً، والذى تم إنكار نسبه، لتصبح فى نظر البلدة مجرد عاهرة، وتهجر كلارا البلدة، إلا أنها تعود بعد فترة من الزمن للإنتقام من ألفريد بإعطاء البلدة مليار من الدولارات مقابل قتل ألفريد، للأخذ بتارها، وتنتهى الأحداث بإعدام ألفريد.
أن المدقق والمتابع للبناء داخل العرض يلمح نجاح العمل فى تكوين منطقية تطور الأحداث ومعقوليتها، فنجد مقدمة تمهد للأحداث ثم أفعال درامية تؤدى إلى تصاعد فى تطور الأحداث، حتى نصل إلى فعل الذروة (كليمكس) ثم أفعال درامية تقلل بعد ذلك، وتخفف من التصاعد الدرامى المسرحى لنصل فى النهاية إلى نهاية العرض،
كما أن الصراع فى العرض صراع متصاعد، والحدث مركب حيث مرحلة التعرف أدت إلى التحول، أو ما تعرف بالإنقلاب فى مصير الشخصيات، كما أن مرحلة التعرف والتى تعنى الإنتقال من الجهل الى العلم والمعرفة، حدثت بالفعل، أيضاً يمكن القول أن التعرف هنا فى هذا العرض هو أفضل أنواع التعرف، حيث صوحب بالتحول، فعلم أبطال العمل بالحقائق الجديدة التى فرضتها عليهما طبيعة الفعل الدرامى، جعلتهما فى حالة انتقال وتحول من موقف إلى موقف آخر، ومن فكر وعقائد معينة إلى أخرى، علاوة على أن الحبكة فى العرض حبكة محكمة تعتمد علي التتابع الحتمي للأحداث، وهو ليس تتابع آلي لكنه ممزوج بالمنظور الفكري للمؤلف والرؤية الإخراجية للمخرج .
الحوار فى العرض له دور هام ومحورى، فكان قصير متبادل من الممثلين، وجمله أيضا جاءت قصيرة مما أسهم فى زيادة الإيقاع، وشحن المتلقى بشحنات انفعالية زادت من توتر المشاهد وتلاحق أنفاسه، كما أن استخدام المناجاة باستدعاء شخصيات معنوية كان فاعل داخل العمل، والحوار فى هذا العمل شارك بفعالية فى إعطاء المتلقى / المشاهد شعوراً بسمات وصفات كل شخصية فى العرض، كاشفاً أيضا عما يدور فى أعماق كل شخصية من أفكار وأحاسيس، كما قامت الشخصيات سواء الرئيسية، أو الثانوية، أو النمطية، فى هذا العرض بدور هام، وأساسى، ومحورى، ومن أسباب نجاح المؤلفة أنها قامت بإبراز الشخصيات بأبعادها المتعددة، سواء الفسيولوجية أو السيسيولوجية، أو السيكولوجية من خلال الحوار، وقد حملت الشخصيات الرئيسية، والثانوية إنطلاقا ًمن إحترافيتهما التمثيلية، والتى لا يمكن تصديق أنهم مجرد طلبة وطالبات هواه ثورة من العلامات التي تختزن داخل سياق هذا العرض المسرحى، وكأن هناك أشياء ما تغلي في دواخلهما، تعذبهما، تطعنهما مراراً، فجاء العرض مشحون بالإنفعالات وملغم بالأحداث المتداخلة، التي عايشها المتلقي لقرب المسافة الجمالية، بوصفه جزءا ًمن الأحداث، جالسا ًفي فضاء العرض المسرحى، مترقبا ًما تؤول إليه أحداث العرض من نتائج سواء أكانت إيجابية أم سلبية
تعامل المخرج فى رؤيته لموسيقى العرض، بالإعتماد على الإيقاعات وبواسطة أدوات بيئية كالبراميل وقطع الحديد الذى عرف بها معد الإيقاعات لايف، فاستخدمها ووظفها توظيفاً سليماً، ونجح فى الجمع بين الأدوات الموسيقى، بوصفها لغة تعبير وإيحاء وتحفيز وجداني، فتعامل من خلال الإيقاعات على الأبعاد المتولدة عن تفاعلات العناصر المسرحية، من نص كلامي إلى نبرات إلى لغة جسد وإيماءات، إلى عناصر الشكل البصرية والضوئية وغيرها الكثير، فلم تكن الوظيفة فى هذا العمل المسرحى من الناحية الموسيقية وظيفة تقليدية بل تجاوزت هذه التقنيات، لتخلق شخصيات وأبعاد معنوية ونفسية، وحالات مسرحية متكاملة العناصر، أضفت أبعاداً جديدة مستقلة، ومتفاعلة مع البناء المسرحي العام فى العرض، تغنيه وتشارك في مساره، بل تصنعه في كثير من الأحيان .
كما إن إستخدام الإيقاعات فى هذا العرض تراوحت ما بين الإستخدامات المباشرة في المسرح، حيث أصبحت تروي في بنائها الهندسي وفي شحنتها الداخلية قصديات درامية، كما تدعم وتساهم في تشكيل الأجواء أو تعزز مشاعراً ما، أو تسبق لها أو تزيلها .
أما على المستوى التشكيلى للديكور، فقد اتسمت القيم الجمالية في ديكور العرض، باعتمادها المؤكد على المساحات الشاسعة فى الرؤية التشكيلية، إذ ساعدت قطع الديكور غير المعقدة، والبعيدة عن المبالغة في استخدام الضخامة وهى عبارة عن براميل وخيوط وحبال وخراطيم، تتشكل داخل الفراغ المسرحى وتستخدم فى خلق بيئات وأماكن درامية وزمنية، مما حدا بالمصممة إلى استثمار خشبة المسرح كلها، فاستطاع الديكور أن يفعل فعله في إيصال المعنى، وقد ساعد الديكور المسرحي في عرض مسرحية إلى خلق المتعة الجمالية، إذ أضفى حرية الحركة التي دعمتها خشبة المسرح، وأوجد عنصرى الزمان والمكان، علاوة على الحقبة التاريخية المجسدة على خشبة المسرح، وقد شكل الديكور فى العرض قيماً تشكيلية بصرية متميزة، إذ يبدو الوعى التام من المصممة، ويتضح ذلك من خلال اعتمادها على المنظر المركب، لإفساح المجال والخشبة المسرحية للأداء .
وقد ساعد الديكور المسرحي في عرض مسرحية إلى خلق المتعة الجمالية، إذ أضفى حرية الحركة التي دعمتها خشبة المسرح، وأوجد عنصرى الزمان والمكان، علاوة على الحقبة التاريخية المجسدة على خشبة المسرح، وقد شكل الديكور فى العرض قيماً تشكيلية بصرية متميزة، إذ يبدو الوعى التام من المصممة، ويتضح ذلك من خلال اعتمادها على المنظر المركب، لإفساح المجال والخشبة المسرحية للأداء التمثيلى، لتصبح الصورة أجمل وأبسط وأقرب للمشاهد ضمن الفترة التي يعيشها، إذ أن كل قطعة من الديكور فى العرض، كانت فاعلة في الحدث المسرحي إن صح التعبير .
عبرت الإضاءة من خلال زوايا التسليط والمساقط الضوئية، في صياغة صورة العمل الفني للمسرحية، فجاءت مرة بشكل عمودي لتسلط على الممثلين الذي يقفوا تحتها، فيما جاءت مرة أخرى من الجوانب فتم المزج بين الضوء والظل، كما اشتركت الإضاءة الخلفية في إضفاء المتعة الجمالية للمتفرجين ، وتقريب صورة الحدث معبرة عن المعنى ومشكلة للجانب الجمالي البصري التكويني
ارتدت شخصيات المسرحية أزياء معبرة عن قيم ومعاني ودلالات جمالية تأويلية، فقد حمل تصميم الأزياء فكرة المزاوجة بين عناصر الزي، التي تحمل شفرات وإشارات دلالية، تمثل بإستخدام اللون والخط والملمس الذي شكل أيقونة الزي، لتبث دلالات سيكولوجية تعبر عن دوافع الشخصيات وأفعالها، وهذا يأتى من التحليل الدقيق للشخصيات وفق الرؤية الفلسفية التى اتفق عليها مصممة الأزياء مع مخرج العرض، والتي سلطت الضوء على الصراع بين شخصيات العمل والتفاوت الطبقى والفكرى بينهما، وقد جاء هذا واضحاً فى المكياج أيضاً من خلال خطوط المكياج البسيطة النقية، والتي جاءت لإيضاح ملامح الوجه، من خلال المكياج التصحيحي لملامح الشخصية الحياتية، لتأتي مماثلة للشخصية الممثلة .
أن الرؤية الإخراجية لمحمد الملكى قدمت عرض مسرحي يسمح بتعدد القراءات، وبالتالي يدخل في الدائرة الجمالية للعمل الفني، كما اعتمدت الرؤية الإخراجية على الرمز والتجريد والتشفير، مما أفسح المجال أمام المتلقي من للإبحار فى المعنائية الخاصة به، وعليه تعتبر الرؤية الإخراجية لهذا العرض قراءة إبداعية جديدة لموضوع عايشتها الذات الانسانية، وقراءة قامت على التجريب والرمز والشفرة وقابلة للتجدد فيها، هو قيامها على الرمز في الإيقاع والديكور والضوء والزي والأداء التعبيري، والتي تؤثر في تداولية الموضوع نفسه على مستوى الدال أو على مستوى المدلول بوصفه فكرة، وارتبط كل هذا بقدرة مخرج العرض الذى نجح فى خلق التغيير والتطور، لملاحقة ما يعتري المجتمع من عمليات هدم وبناء، مما يغير في وظيفة الشفرة في خلق وإبداع نص جديد والشفرة الإخراجية فى العرض كانت حاضرة بوصفها خصوصية العرض، وروح تميزه .
آثار العرض إشكالية الفضاء الأدائي العلاماتية بين الرؤية الإخراجية، وأداء الشخصيات والذي امتاز في العرض بجدة الدلالات، ومألوفية التواصلية مع منظومة خطاب العرض (السمعية، البصرية)، فضلا ًعن استعراض التكوين الشمولي، ومنه المظهر البدني أحد أهم أبعاد الشخصيات، وتأكيدية العلاقة مع الآخر، مع (المتلقي / المؤول) والتعبير عن الروح الداخلية للشخصيات، وإنعكاسات إشعاعاتها على المتلقين .
حملت الرؤية الإخراجية فى العرض دلالات ورموز وصور متعددة، إذ نجح المخرج فى جعل الشخصيات تخترق الفضاءات المكانية، مما ساهم في إعطاء صورة واضحة عن الفضاء الدرامي، وبدوره إبراز الفضاء المسرحى، الذي يساهم هو الآخر في الكشف عن الفضاء النفسي والإجتماعي للشخصيات المعنية .