الدكرورى يكتب منزلة الجوار فى الشريعة الإسلامية ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
الجوار فى الشريعة الإسلامية ” جزء 1″
إن الدين ليس مجرد زعم قائل أو متقول بقوله عقيدة تستقر في ضميره ويخالفها العمل، ولا شعائر تقام دون أن يكون لذلك كله أثره في سلوك الإنسان في كل أعماله وتصرفاته ومجالات حياته، فقد أقام الإسلام قواعد ثابتة للتنظيم العائلي والاجتماعي تحدد علاقات الناس بعضهم ببعض، وترسم لكل فرد في المجتمع حقوقا وواجبات منبثقة من العقيدة الأساسية التي ينبثق منها كل صالح وصواب في العبادات والتصورات والعلاقات بكل صورها وأشكالها، وإن الجار هو من جاورك في دارك سواء أكان مسلما أو كافرا، برا أو فاجرا، صديقا أو عدوا، محسنا أو مسيئا، قريبا أو بعيدا، وليس للجار ضابط من عدد أو غيره، والمرجع في ذلك إلى عرف الناس، فكل من عده الناس جارا لك.
فهو جار تجب له حقوق الجوار، ولقد أوصى الإسلام بالجار وأعلى من قدره، فإن للجار في ديننا حرمة مصونة، وحقوق مرعية، حيث قرن المولى سبحانه وتعالى الإحسان إلى الجار بعبادته وتوحيده، فقال سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة النساء ” واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا” فهذه وصية الله عز وجل في كتابه، أما وصية رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فقد جاءت في صورة جليلة، وتعبير مستفيض يجلي مكانة وحق الجار في الإسلام، فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن رجل من الأنصار.
قال خرجت مع أهلي أريد النبي صلى الله عليه وسلم، وإذ به قائم، وإذا رجل مقبل عليه، فظننت أن له حاجة، فجلست، فو الله لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت أرثي له من طول القيام، ثم انصرف، فقمت إليه، فقلت يا رسول الله، لقد قام بك هذا الرجل حتى جعلت أرثي إليك من طول القيام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أتدري من هذا”؟ قلت لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “جبريل مازال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه” وإن أولى الجيران بالرعاية والإحسان أقربهم بابا إلينا، فقد جاء في البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت، قلت يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال صلى الله عليه وسلم “إلى أقربهما منك بابا” رواه البخارى.
وإن الحكمة من ذلك هو كما يقول ابن حجر رحمه الله، لأن الجار الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية ونحوها، فيتشوف لها، بخلاف الأبعد، ولأن الأقرب أسرع إجابة لما قد يقع لجاره من المهمات، ولا سيما في أوقات الغفلة، وكذلك فإن الله سبحانه وتعالى حرم إيذاء الجار في ماله أو عرضه أو دمه، ولقد أقسم نبينا ثلاثا مبينا عظم ذنب أذية الجار، فقال “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن” قيل ومن يا رسول الله؟ قال “الذي لا يأمن جاره بوائقه” وفي رواية لمسلم “لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه” وإن في الحديث الآخر ضاعف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم جريمة الزنا والسرقة في حق الجار إلى عشرة أضعاف لأن الجار قد أمنه جاره، فخان الأمانة، وانتهك حرمته.
وكان حقا عليه أن يحفظ جاره في ماله وعرضه، فعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه “ما تقولون في الزنا”؟ قالوا حرمه الله ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه “لأن يزني الرجل بعشرة نسوة، أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره” ثم قال صلى الله عليه وسلم “ما تقولون في السرقة”؟ قالوا حرمها الله ورسوله، فهي حرام إلى يوم القيامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره ” رواه أحمد، ففي هذا الزمن تباعد الجيران بعضهم عن بعض، فأصبحت تمر الشهور بل السنوات، ولا يعرف الواحد منا جاره وأحواله.