الدكروري يكتب عن عفوا لقد نفذ عمركم ” جزء 10”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء العاشر مع عفوا لقد نفذ عمركم، ويوضع على رأسه تاج، ويعلقه من ريح الجنة، ويُشرق وجهه حتى يكون مثل القمر ليلة البدر، فيخرج، فلا يراه أهل ملأ إلا قالوا اللهم اجعله منهم،
حتى يأتي أصحابه الذين كانوا يجامعونه على الخير ويعينونه عليه فيقول أبشر يا فلان، فإن الله أعد لك في الجنة كذا، وأعد لك في الجنة كذا وكذا، فلا يزال يخبرهم بما أعد الله لهم في الجنة من الكرامة حتى يعلو وجوههم من البياض مثل ما علا وجهه، فيعرفهم الناس ببياض وجوههم فيقولون هؤلاء أهل الجنة، ويؤتى بالقائد إلي الشر فيقال أجب ربك فيُنطلق به إلى ربه، فيحجب عنه، ويؤمر به إلى النار، فيرى منزله ومنازل أصحابه، فيقال هذه منزلة فلان، وهذه منزلة فلان، فيرى ما أعد الله فيها من الهوان، ويرى منزلته شرّا من منازلهم، فيسود وجهه، وتزرق عيناه.
ويوضع على رأسه قلنسوة من نار، فيخرج، فلا يراه أهل ملأ إلا تعوذوا بالله منه، فيقول “ما أعاذكم الله مني، أما تذكر يا فلان كذا وكذا، فيذكرهم الشر الذي كانوا يجامعونه ويعينونه عليه، فما يزال يخبرهم بما أعد الله لهم في النار حتى يعلو وجوههم من السواد مثل الذي علا وجهه، فيعرفهم الناس بسواد وجوههم فيقولون هؤلاء أهل النار” وقال الله تعالى ” ويوم يعض الظالم علي يدية يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا” وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن أبا معيط كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة لا يؤذيه، وكان رجلا حليما، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام، فقالت قريش صبأ أبو معيط، وقدم خليله من الشام ليلا، فقال لامرأته ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت أشد مما كان أمرا أبو معيط، فحيّاه، فلم يرد عليه التحية.
فقال مالك لا تردّ عليّ تحيّتي؟ فقال كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت؟ قال أوقد فعلتها قريش؟ قال نعم، قال فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟ قال تأتيه في مجلسه وتبصق في وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلمه من الشتم، ففعل، فلم يزد النبي صلى الله عليه إلا التفت إليه فقال “إن وجدتك خارجا من جبال مكة أضرب عنقك صبرا” فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن يخرج، فقال له أصحابه اخرج معنا، قال قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجا من جبال مكة أن يضرب عنقي صبرا، فقالوا لك جمل أحمر لا يدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليه، فخرج معهم، فلما هزم الله المشركين وحل به جمله في جدد من الأرض، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيرا في سبعين من قريش، وقدم إليه أبو معيط، فقال تقتلني من بين هؤلاء؟ قال نعم، بما بصقت في وجهي.
فأنزل الله في أبي معيط، قوله تعالي ” ويوم يعض الظالم علي يدية” إلي قوله تعالي ” وكان الشيطان للإنسان خذولا” وقيل أنه عندما أتى عمير بن وهب المدينة بعد معركة بدر متفقا مع صفوان بن أمية على أن يتكفل صفوان بدينه وعياله وأن يقتل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي من عند الله عز وجل فكيف تعامل معه صلي الله عليه وسلم فقد قربه إليه وقال أدنوا يا عمير وأخبره بخبره فأسلم عمير مباشرة، وأيضا ما فعله فضالة بن عمير بن الملوح أنه فكر في قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على صدره فسكن قلب فضالة وحسن إسلامه، ومن تعامله العظيم صلى الله عليه وسلم ما فعله مع كفار قريش بعد الفتح، فقد قال صلى الله عليه وسلم.
“يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟” قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم فقال صلى الله عليه وسلم “اذهبوا فأنتم الطلقاء” فعفا عنهم بعد أن أمكنه الله تعالى منهم، فضرب بذلك المثل في تعامله صلى الله عليه وسلم في العفو والصفح على الجناة بعد القدرة عليهم والتمكن منهم، وكذلك من أعظم المواقف موقف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مع أهل الطائف حيث قال لملك الجبال لعل الله ان يخرج من اصلابهم من يقول لا اله الا الله، فيجب علينا أن نتكلم عن الموت في كل زمان وفي كل مكان، ويجب علينا أن نذكر الموت في كل ساعة من ساعات حياتنا، وفي كل ساعة من ساعات عمرنا، كما أخبرنا وأمرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم عندما قال “أكثروا من ذكر هادم اللذات، قالوا وما هادم اللذات يا رسول الله؟ قال الموت” فهادم اللذات هو الموت، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نكثر من ذكر الموت.