الدكروري يكتب عن عفوا لقد نفذ عمركم ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثامن مع عفوا لقد نفذ عمركم، وقيل أن نبي الله نوح عليه السلام لما حضرته الوفاه، قيل له يا نبي الله نوح كم عشت؟ فقال عليه السلام ألف سنة، قالوا صف لنا الحياة؟ قال والذي نفسي بيده ما وجدت الحياة إلا كدار لها بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر،
فيا أبناء الستين والسبعين ماذا تنتظرون؟ وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم كان أحفظ الناس لوقته، فكانت حياته كلها ذكرا لله عز وجل وطاعة له، فقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مئة مرة “رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم”
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ” وإنه ليست العبادة صلوات فقط، وليست قيام ليل فقط، ولكن العبادة هي كل ما يحبه الله ويرضاه.
ولو كانت زيارة مقابر، أو عيادة مرضى، أو إطعام مسكين، أو كفالة يتيم، أو دعوة إلى الله عز وجل، فكل شيء يحبه الله تعالي فهو عبادة، وإنما هي مسألة لمن نسي الله و أوامر الله وانتهك حدود الله عز وجل
، وكذلك يتمنى الموتى الرجوع إلى الدنيا ولو لدقائق معدودة، ليقدموا صدقة لله عز وجل، ولقد نقل الله لنا أمنيتهم هذه في قوله تعالى في سورة المنافقون “أنفقوا من ما رزقناكم من قبل ان يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلي أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون”
فهؤلاء قد اقتنعوا ولكن بعد فوات الأوان، بأن الصدقة من أحب الأعمال إلى الله عز وجل، وأنها تطفئ غضب الرب عز وجل وأن العبد سيُسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، فتمنوا الرجعة ليقدموا صدقتهم بعد أن منعوها الفقير.
وصرفوها على شهواتهم وسياحتهم، فهنا تجده يقول ” فيقول رب لولا أخرتني إلي أجل قريب فأصدق” فهو تمنى الرجعة لأنه عرف أن الصدقة تباهي سائر الأعمال وتفضلهم، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر لي أن الأعمال تباهى فتقول الصدقة أنا أفضلكم، فتمنى الرجوع إلى الدنيا فقط ليتصدق لعله علم عظم ثوابها، أو عظم عقاب المفرط فيها،
إنها أمنية مليئة بالحسرة والأسف، ولكنها جاءت متأخرة، وأما عن كيف نخفف من لوعات الموتى؟ فإنه بالدعاء والاستغفار لهم، والصدقة عنهم، فتلك أفضل هدية يتمنون وصولها منا، فهل تبادر إلى ذلك؟ فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إن الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول أنىّ لي هذا؟ فيقال باستغفار ولدك لك” فأخلص الدعاء لهؤلاء الأموات وبالأخص الوالدين.
فلعل الله أن يقيض لك من يخلص لك الدعاء بعد مماتك، وقيل كان عمر بن عبد العزيز أميرا من أمراء الدولة الأموية، يغير الثوب من حرير في اليوم أكثر من مرة، والذهب والفضة وعنده الخدم القصور، والمطاعم المشارب وكل ما اشتهى وكل ما طلب وكل ما تمنى، ولما تولى الخلافة،
انسلخ من ذلك كله لأنه تذكر أول ليلة في القبر، وقيل أنه وقف على المنبر يوم الجمعة فبكى وقد بايعته الأمة، وحوله الأمراء الوزراء والشعراء والعلماء وقواد الجيش، فقال خذوا بيعتكم، قالوا ما نريد إلا أنت، فتولاها فما مر عليه أسبوع أو أقل إلا وقد هزُل، وضعف وتغير لونه ما عنده إلا ثوب واحد، فقالوا لزوجته مال عمر تغير؟ فقالت والله ما ينام الليل، والله إنه يأوي إلى فراشه فيتقلب كأنه ينام على الجمر ويقول “آه توليت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ويسألني يوم القيامة الفقير والمسكين والطفل والأرملة” ويقول له أحد العلماء يا أمير المؤمنين “رأيناك قبل أن تتولى الملك وأنت في مكة في نعمة وفي صحة وفي عافيه، فمالك تغيرت؟ فبكى رضي الله عنه حتى كادت أضلاعه تختلف، ثم قال للعالم وهو ابن زياد “كيف بك يا ابن زياد لو رأيتني في القبر بعد ثلاثة أيام، يوم أجرد من الثياب، وأوسد التراب
، وأفارق الأحباب وأترك الأصحاب، وكيف لو لرأيتني بعد ثلاث والله لرأيت منظرا يسوءك” وإنه ما من يوم أخرجه الله تعالي إلى الدنيا إلا وينادي ويقول يا ابن آدم اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي، ولا ليلة إلا تنادي، يا ابن آدم اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم “اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقَمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك”