الدكروري يكتب عن عفوا لقد نفذ عمركم ” جزء 6″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السادس مع عفوا لقد نفذ عمركم، وجاء في سورة يس ” قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين” أي تمنى أن قومه الذين حاربوا دين الله، ورفضوا الاستجابة لأوامر الله أن يعلموا ماذا أعطاه الله من نعيم وثواب جزيل،
وأما الشهيد، فبالرغم من عظم منزلته الرفيعة التي يراها أعدت له في أعلى درجات الجنة، فإنه يتمنى أن يعود إلى الدنيا، ولكن ليستمر في جهاد أعداء الله، فيقاتل ويُقتل ولو عشر مرات، لما يرى من ثواب الجهاد وكرامة المجاهدين عند الله عز وجل، فيجب علينا أن نجعل عبارة أمنيات الموتى على اللسان، ودائما في المخيلة، فإنها خير معين لنا على فعل الخير، والاستكثار منه، والتسابق إليه، وعلى الترحم على أموات المسلمين، فاتقي الله يا عبد الله واصرف ما بقي من عمرك في طاعة الله.
واعلم أن كل ميت قصر في جنب الله، قد عضّ على أصابع الندم، وأصبح يتمنى لو تعود له الحياة ليطيع الله، ليرد حق إنسان، إن تسبيحة واحدة عندهم خير من الدنيا وما فيها، لقد أدركوا يقينا أنه لا ينفعهم إلا طاعة الله عز وجل، وإن الذي يضيع وقته أمام وسائل اللهو، لو يعلم ماذا يتمنى الموتى لما ضيع دقيقة واحدة
، لو علمت ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك، ولرغبت في الزيادة من عملك، فاحذر زلل قدمك، وخف طول ندمك، واغتنم وجودك قبل عدمك، إنها قد تكون لحظات، فما ترى نفسك إلا في عداد الأموات، فانهل رحمك الله من الحسنات قبل الممات، وبادر إلى التوبة ما دمت في مرحلة الإمهال، قبل حلول ساعة لا تستطيع فيها التوبة إلى ربك، قبل أن يأتيك الموت بغتة فيحال بينك وبين العمل فتقول متحسرا ” يقول يا ليتني قدمت لحياتي”
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء، إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة” وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم “ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له ما على الأرض من شيء،
غير الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع فيُقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة” وعن جابر رضي الله عنه قال لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي ” يا جابر ما لي أراك منكسرا؟ قلت يا رسول الله استشهد أبي، قتل يوم أحد، وترك عيالا ودينا، قال صلى الله عليه وسلم “أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟” قال قلت بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم “ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب.
وأحيا أباك فكلمه كفاحا فقال يا عبدي تمنّي عليّ أعطك، قال يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية، قال الله عز وجل “إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون” قال وأنزلت هذه الآية ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا” وقيل أنه مات الحسن ابن الحسن من أولاد الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه
، كان عنده زوجة وأطفال، وكان في الشباب، والموت لا يستأذن شابا ولا عجوزا ولا شيخا ولا غنيا ولا فقيرا ولا أميرا ولا ملكا ولا وزيرا ولا سلطانا، فالموت يقصم الظهور ويخرج الناس الدور وينزلهم من القصور ويسكنهم القبور بلا استئذان، فإن الحسن ابن الحسن عندما مات فجأة، نقلوه إلى المقبرة، فوجدت عليه امرأته وحزنت حزنا لا يعلمه إلا الله تعالي، وأخذت أطفالها وضربت خيمة حول القبر، وهذا ليس من عمل الإسلام.
ولكن ذكر مؤرخو الإسلام ذلك، فقيل أنها ضربت خيمة حول القبر وأقسمت بالله لتبكينا هي وأطفالها على زوجها سنة كاملة، وهذا هو هلع عظيم وحزن بائس شديد، وبقيت تبكي فلما وفت سنة أخذت إطناب الخيمة، وحملتها وأخذت أطفالها في الليل، فسمعت هاتفا يقول لصاحبه في الليل هل وجدوا ما فقدوا؟ هل وجدوا ما فقدوا؟ فرد عليه هاتف آخر قال لا، بل يئسوا فانقلبوا، ما وجدوا ما فقدوا، ما وجدوا ضعيتهم،
ولا وديعتهم، فانظروا أنه قال لا، بل يئسوا فانقلبوا، فما كلمهم ميتهم من القبر، وما خرج إليهم ولو في ليلة واحدة، وما قبل أطفاله، وما رأى فتاته، لا، ولذلك هذه هي أول ليلة ولكن لها ليالي أخرى إذا أحسن العمل، فقال الله عز وجل في سورة الطور “والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإحسان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين”