أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

الدكروري يكتب عن عفوا لقد نفذ عمركم ” جزء 5″

الدكروري يكتب عن عفوا لقد نفذ عمركم ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع عفوا لقد نفذ عمركم، فلا إله إلا الله كيف تكون الليلة الأولى في القبر لمن عصى الله تعالى وغفل عنه فلم يستعد بالأعمال الصالحة وحيدا فريدا لا أنيس ولا جليس لا زوجة ولا أطفال ولا أصدقاء ولا أحباب ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين وقال الله تعالى في سورة الأنعام ” ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وظل عنكم ما كنتم تزعمون” فيا مدبرا عن المساجد ما عرف الصلاة، ويا معرضا عن الله تعالى ويا منتهكا لحدود حرمها الله، ويا ناشئا في معاصي الله ويا غافلا عن طاعة الله ، تذكر القبر وظلمته وتذكر الأكفان والحنوط إذا وضعن عليك وحملت على الأكتاف وأدخلت التراب وتذكر الصراط وزلته.

 

والموقف وكربته والحساب وشدته، وهذا ميمون ابن مهران رحمه الله يقول خرجت مع عمر ابن عبد العزيز إلى المقبرة فلما نظر إلى القبور بكى طويلا ثم أقبل علي فقال يا ميمون هذه قبور آبائي بني أمية كأنه لم يشاركوا أهل الدنيا في لذاتهم وعيشهم ،أما تراهم صرعى قد حلت بهم المثلات واستحكم فيهم البلى وأصابت الهوام في أبدانهم مقيلا ثم غشي عليه فلما أفاق قال انطلق بنا فو الله ما أعلم أحدا أنعم ممن صار إلى هذه القبور وقد أمن من عذاب الله فصار إلى ما ترى، وقيل أن الربيع بن خيثم رحمه الله تعالى، حفر قبرا داخل بيته، فكان إذا مالت نفسه للدنيا وقسا قلبه نزل في قبره، وإذا ما رأى ظلمة القبر ووحشته صاح ” رب ارجعون” فيسمعه أهله فيفتحون له، وفي ليلة نزل قبره وتغطى بغطائه، فلما استوحش داخله نادى ” رب ارجعون” فلم يسمع له أحد.

وبعد زمن طويل سمعته زوجته، فأسرعت إليه وأخرجته، فقال عند خروجه اعمل يا ربيع قبل أن تقول ” رب ارجعون” فلا يجيبك أحد، فإن العبد ليفرح حينما تأتيه الحسنات تلو الحسنات، وهو في قبره، من قريب أو صديق، أو من ثواب علم خلفه، أو صدقة أقامها، ولقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هناك صنفا من الناس تجري عليهم أجورهم بعد موتهم، حيث روى أبو أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت، من مات مرابطا في سبيل الله، ومن علم علما أجري له عمله ما عُمل به، ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري له ما وُجدت، ورجل ترك ولدا صالحا فهو يدعو له” فهؤلاء ماتوا ولكن لم تمت حسناتهم من بعدهم فهنيئا لهم على ما قدموا، وأما من مات ولم تمت ذنوبه معه.

فهو يتمنى العودة إلى الدنيا، ليتخلص من هذه الذنوب، ويريد أن يتخلص مما اقترفته يداه، كمثل بعض الممثلين والمغنين، الذين سجلوا أعمالهم الفنية في الوسائل الإعلامية، ولم يتوبوا منها، وهي لا تزال تعرض للناس لتصدهم عن سبيل الله، فهم يتمنون العودة إلى الدنيا، ليتخلصوا مما فعلوا، ليوقفوا هدير هذه السيئات التي تأتي إليهم تباعا، يريدون أن يعملوا صالحا فيما تركوا، وماذا تركوا من بعدهم؟ أليس أفلاما وغناء وأعمالا تفسد أخلاق الناس؟ وتصد عن طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فهم الآن يجنون وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ومن سن سنة سيئة فعمل بها، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من أوزارهم شيئا”

وكما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن إذا بشر في قبره بالجنة، يتمنى أن يعود إلى أهله ليبشرهم بنجاته من النار وفوزه بالجنة، إذ روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إذا رأى المؤمن ما فسح له في قبره، فيقول دعوني أبشر أهلي” وفي رواية فيقول دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي، فيقال له اسكن” ولقد حكي الله عز وجل علينا قصة صاحب يس، الذي كان حريصا على هداية قومه، إلا أنهم قتلوه وهو يدعوهم إلى الإيمان بالله ورسله، فلما عاين كرامة الله عز وجل له وفوزه بالجنة، تمنى أن يعلم قومه بذلك كي يؤمنوا، فقال تعالى في شأنه كما جاء في سورة يس ” قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين” أي تمنى أن قومه الذين حاربوا دين الله عز وجل.