أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

عفوا لقد نفذ عمركم ” جزء 2″

الدكرورى يكتب

الدكروري يكتب عن عفوا لقد نفذ عمركم ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع عفوا لقد نفذ عمركم، وها أنت ذا على ظهر الأرض حيا معافى، فاعمل صالحا قبل أن تعضّ على أصابع الندم، وتصبح في عداد الموتى

، تتمنى ولا مجيب لك، فإذا وسدت في قبرك فلا أنت إلى دنياك عائد، ولا في حسناتك زائد، إلا إذا قدمت عملا صالحا يجري ثوابه بعد مماتك، فاعمل ليوم القيامة قبل الحسرة والندامة، فإن المؤمن إذا مات وحمل على الأعناق، نادى أن يقدموه ويسرعوا به إلى القبر ليلقى النعيم المقيم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم،فإن كانت صالحة قالت قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت يا ويلها أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق”

وإذا أدخل قبره وبشر بالجنة، ورأى منزلته فيها، فإنه لا يتمنى أن يعود إلى الدنيا، بل يتمنى أن تقوم الساعة، ليدخل في ذلك النعيم المقيم الذي ينتظره، لقد ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العبد المؤمن إذا أجاب عن أسئلة الملكين وهو في قبره ” نادى مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة

، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول أنا عملك الصالح، فيقول رب أقم الساعة، رب أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي” وهذه أمنية الرجل الصالح وهو في قبره أن تقوم الساعة، وأما الكافر أو المنافق.

 

فعلى الرغم من شدة العذاب الذي يلاقيه في قبره، فإنه يدعو ويقول رب لا تقم الساعة، رب لا تقم الساعة، لأنه يعلم أن ما بعد القبر هو أشد وأفظع، ولقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم عند الاستيقاظ من النوم، أن نحمد الله تعالى لأنه أحيانا بعد أن أماتنا وأذن لنا بذكره؟ لأن النوم توقف عن الحياة وعن ذكر الله عز وجل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إذا استيقظ أحدكم فليقل الحمد لله الذي ردّ عليّ روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره”

فنحن نملك الآن نعمة الحياة، لنزيد من حسناتنا، ونكفر عن سيئاتنا، فإذا متنا ندمنا على كل دقيقة ضاعت ليست فيها ذكر لله، وليست في طاعة الله، فلنغتنم ساعات العمر ودقائقه قبل أن نندم، فنتمنى ما يتمناه بعض الموتى الآن، وقال إبراهيم بن يزيد العبدي رحمه الله تعالى أتاني رياح القيسي.

فقال يا أبا إسحاق انطلق بنا إلى أهل الآخرة نُحدث بقربهم عهدا، فانطلقت معه فأتى المقابر، فجلسنا إلى بعض تلك القبور، فقال يا أبا إسحاق ما ترى هذا متمنيا لو مُنّ ؟ أي لو قيل له تمنى، قلت أن يُردّ إلى الدنيا، فيستمتع من طاعة الله ويصلح، قال ها نحن في الدنيا، فلنطع الله ولنصلح، ثم نهض فجدّ واجتهد، فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات رحمه الله تعالى،

وقيل أنه دخل أبو العتاهية على هارون الرشيد حين بنى قصره العظيم ودخل فيه فلما رأه طلب منه أن يقول فيه شعرا فأنشأ يقول عش ما بدا لك سالما في ظل شاهقة القصور، تجرى عليك ما أردت مع الغدو مع البكور، فانشرح هارون وزاد انبساطه وقال له، زد فقال فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور، فهناك تعلم موقنا ما كنت إلا في غرور، فبكى هارون الرشيد حتى أغمي عليه.

 

 

 

 

وكان عثمان ابن عفان رضي الله عنه إذا مر على قبر بكى حتى تخضل لحيته من البكاء فقيل له تذكر الجنة والنار ولا تبكي وتبكي من هذا فيقول “سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينجو منه فما بعده أشد منه ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه” رواه أحمد وابن ماجة، وإنه لجدير بمن الموت مصرعه ومصيره، والتراب مضجعه والدود أنيسه، ومنكر ونكير سائله، وعمله جليسه، والقبر مسكنه ، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده، أن لا يكون له فكر إلا الموت ولا ذكر إلا له ولا استعداد إلا لأجله، ولا تدبير إلا فيه، وإنه لحقيق به أن يعد نفسه من الموتى ويراها في أصحاب القبور، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم “الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني” رواه الترمذي.