الدكرورى يكتب عن المنّ والسلوي في رحلة التيه ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
المنّ والسلوي في رحلة التيه ” جزء 9″
ونكمل الجزء التاسع مع المنّ والسلوي في رحلة التيه، وقد جربهم نبى الله موسى عليه السلام، وقد فجر لهم من الصخر ينابيع في جوف الصحراء، وأنزل عليهم المن والسلوى طعاما سائغا، فإذا هم يشتهون ما اعتادوا من أطعمة مصر أرض الذل بالنسبة لهم، فيطلبون بقلها وقثاءها وفومها وعدسها وبصلها، وقد جربهم في قصة البقرة التي أمروا بذبحها، فتلكأوا وتسكعوا في الطاعة، والتنفيذ فكما جاء فى سورة البقرة ” فذبحوها وما كادوا يفعلون” ولقد جربهم نبى الله موسى عليه السلام عندما عاد من ميقات ربه، ومعه الألواح، وفيها ميثاق الله عليهم وعهده، فأبوا أن يعطوا الميثاق، وأن يمضوا العهد مع ربهم، ولم يعطوا الميثاق حتى وجدوا الجبل منتوقا فوق رؤوسهم.
كما قال الله تعالى فى سورة الأعراف ” وظنوا أنه واقع بهم ” ولقد جربهم نبى الله موسى عليه السلام في مواطن كثيرة، لكن هذا شأن اليهود، ثم ها هو معهم في هذه القصة، قصة التيه كما جاء فى سورة المائدة ” وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم” وذلك بنجاتهم من فرعون وقومه فخرجوا قاصدين أوطانهم ومساكنهم، وهي بيت المقدس، وقاربوا وصول بيت المقدس فحصل لهم التيه في الصحراء أربعين سنة، وكان سببه هو أن الله سبحانه وتعالى، قد فرض عليهم جهاد عدوهم، ليخرجوه من ديارهم، فوعظهم نبى الله موسى عليه السلام، وذكرهم ليثبتوا على الجهاد، فقال تعالى كما جاء فى سورة المائدة ” يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين”
لكن اليهود هم اليهود، صفاتهم هي هي الجبن، والتمصل، والنكوص على الأعقاب، ونقض الميثاق فقالوا لنبى الله موسى عليه السلام كما جاء فى سورة المائدة ” قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون” وهنا تبدوا جبلة اليهود على حقيقتها، وهى الخوف والجبن وضعف الرجولة، وهذا لا يناقض ما هم عليه في هذا الزمان من القوة والتسلط، وكان السبب في ذلك هو أن الذين أمامهم أجبن منهم، وأخوف منهم، وأقل رجولة منهم، وإلا لو واجهوا أشداء، وواجهوا رجالا، لانكشف حقيقتهم، وبعد ما كان هذا هو جوابهم لنبى الله موسى عليه السلام، تكلم رجلان، هذان الرجلان هما اللذان تكلما وسط أولئك القوم، ناصحين، مرشدين.
مخوفين بالله تعالى، ومشجعين لقومهم، ومحركين لهم على قتال عدوهم، واحتلال بلادهم، وقد ذكر الله عز وجل وصفا لهذين الرجلين، ويعد من أهم الصفات في الرجل الناصح المرشد، وصفهم الله عز وجل بأنهما من الذين يخافون الله، وهنا تبرز قيمة الأيمان بالله، والخوف منه فقال تعالى كما جاء فى سورة المائدة ” قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين” فهذان الرجلان من الذين يخافون الله عز وجل، وخوفهم من الله تعالى يُنشئ لهم استهانة بالجبارين، وإن خوفهم من الله عز وجل يرزقهم شجاعة في وجه كل خطر، وإن الخوف من الله تعالى، يزيل الخوف من الناس، فالله عز وجل لا يجمع في قلب واحد بين مخافتين.
مخافته جل جلاله، ومخافة الناس، فإن الذي يخاف الله لا يخاف أحدا بعده، ولا يخاف شيئا سواه، فإذا وجدت في نفسك خوفا من أحد، أو خوفا من موطن، فاعلم بأن نسبة الخوف من الله تعالى، قلّ وضعف، وهذه معادلة ثابتة، وكلما زاد الخوف من الله عز وجل في قلب العبد قل خوفه من غيره، فماذا قال هذان الرجلان؟ قالوا ” ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون” فكم كان أولئك القوم في أمس الحاجة لكلمة حق تخرج من ذلك الموطن؟ وهكذا الزمان، تجد أن الأحوال تصل في بعض الفترات إلى أنه لا بد أن ينبري من يتكلم بكلمة الحق، يسمعها للناس وهذان الرجلان قالا ” ادخلوا عليهم الباب” أي ليس بينكم وبين نصركم عليهم إلا أن تخرموا عليهم، وتدخلوا عليهم الباب “فإذا دخلتموه فإنكم غالبون”