الدكرورى يكتب عن المنّ والسلوي في رحلة التيه ” جزء 7″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
المنّ والسلوي في رحلة التيه ” جزء 7″
ونكمل الجزء السابع مع المنّ والسلوي في رحلةالتيه، فالنفس البشرية أحيانا تشتهي العدس مع تيسر لحم طير، وليس في هذا ما يثير سخط الله، وإن الحق أن في كلمتي خير، وأدنى هى مقارنة بين ما كانوا يجدونه في البرية من أغذية بدون جهد وتعب، وبين ما يحصل عليه أهل المدن بعد سعي ومشقة، ولقد تركهم الله تعالى في هذه البرية لكي يزيل عنهم أثر العبودية ويطهرهم من المعاصي وسيء العادات التي ترسخت في نفوسهم بصحبة المصريين، ولكي لا تثور فيهم نزعات الشرك نتيجة مخالطتهم بالأمم الأخرى أراد الله تعالى لهم أن يظلوا في صحبة نبى الله موسى عليه السلام باستمرار ليرسخ فيهم عقيدة التوحيد، وقد وفر الله لهم كل ما يتيسر في البادية من أطعمة.
أما الخضروات والأطعمة الشهية فلا تتيسر إلا في المدن والقرى، وأما عن قوله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” وضربت عليهم الذلة والمسكنة”لأنهم فضلوا الزراعة على عيش يؤهلهم للحكم والسلطان في الأرض المقدسة التي وُعدوا بها، فألزمهم الله الذل والهوان، ومن عجيب قدرة الله تعالى أن بني إسرائيل وإن كانوا قد نالوا الملك بحسب البشارات الإلهية إلا أن إخلافهم المتكرر لعهودهم مع الله تعالى صار وبالا عليهم حتى حُرموا من الملك فيما بعد لأكثر من عشرين قرنا ولم يبق لهم إلا أعمال التجارة والزراعة، ويقول الله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون”
وإن المراد من قوله تعالى ” أخذنا ميثاقكم ” وهى الوصايا العشر وما نزل معها من تعاليم أخرى على نبى الله موسى عليه السلام عند جبل سيناء، وتقول الآية لبني إسرائيل تذكروا تلك الوصايا التي أوتيتموها وأنت واقفون عن سفح الجبل، والتي أعرضتم عن سماعها قائلين لا نريد سماعها حتى لا نهلك، وفي قوله تعالى “ميثاقكم” أضيف الميثاق إلى بني إسرائيل، لأنه كان ذا شهرة وأهمية كبيرة لديهم، لقد وضع فيه الأساس لعلاقات كان ستنشأ بين الله تعالى وبينهم، وفي نفس الميثاق وبسبب معاصيهم المتكررة، قدّر الله تعالى أن النبي الموعود صاحب الشرع الجديد لن يظهر في بني إسحاق، بل سيظهر في بني إسماعيل، وكأن إضافة الميثاق إليهم تذكرة لنبي إسرائيل بأهمية هذا العهد.
ولا يعني هذا أنه لم يكن لنبي إسرائيل عهود أخرى مع الله تعالى، وقوله تعالى ” ورفعنا فوقكم الطور” وهو أن الطور في العبرانية يعني الجبل أيا كان، ومن معاني الطور في العربية أيضا الجبل، ولكن العرب عندما سمعوا من اليهود أن الله تعالى تكلم مع نبيه موسى عليه السلام على الطور أي الجبل، ظنوا أن الطور بالعبرانية يعني ذلك الجبل الخاص في سيناء، فسموه جبل الطور، واستخدم القرآن الكريم كلمة الطور بمعنى الجبل فقط، وقال الله تعالى كما جاء فى سورة المؤمنون ” وشجرة تخرج من طور سيناء” وقال تعالى كما جاء فى سورة التين ” والتين والزيتون وطور سنين” ولقد انخدع البعض من قوله تعالى ” ورفعنا فوقكم الطور” وظنوا أن الله تعالى رفع الجبل وجعله كالمظلة فوق رؤوس بني إسرائيل.
وقد استغل هذا الخطأ من بعض المفسرين وطعن به في الإسلام وقال لقد أخطأ اليهود في فهم عبارة واردة في التوراة ونقل القرآن عنهم هذا الخطأ، ولقد انخدع المفسرون بكلمتي رفع و فوق، مع أنهما تدلان أيضا على مجرد الارتفاع، ولقد جاء في حديث الهجرة النبوية أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه قال بصدد اشتداد الحر وقت الظهيرة ” فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه الشمس” رواه البخارى، وهو يعني رأينا في صخرة مرتفعة قريبا منا لها ظل فأوينا إليها، ولقد ورد في القرآن الكريم كما جاء فى سورة الأحزاب ” إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفا منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا، هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديد “