الدكرورى يكتب عن المنّ والسلوي في رحلة التيه ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
المنّ والسلوي في رحلة التيه ” جزء 5″
ونكمل الجزء الخامس مع المنّ والسلوي في رحلة التيه، وأما السلوى فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه طائر شبيه بالسمّانى، كانوا يأكلون منه، وعن عكرمة أنه كطير يكون بالجنة أكبر من العصفور، فالمن هو كل ما امتن الله تعالى به عليهم، وإن أريد تخصيصه بالشراب كما قيل إنه ينزل على الأشجار كالصمغ يُمزج بالماء ويُشرب، وطمعه كالعسل فيكون السلوى طعاما، ويقول الله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى، كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون” وقيل أن هنا عطف وظللنا على بعثناكم وتعقيب ذكر الوحشة بذكر جائزة شأن الرحيم في تربية عبده، والظاهر أن تظليل الغمام.
ونزول المن والسلوى كان قبل سؤالهم رؤية الله جهرة لأن التوراة ذكرت نزول المن والسلوى حين دخولهم في برية سين بين إيليم وسينا في اليوم الثاني عشر من الشهر الثاني من خروجهم من مصر حين اشتاقوا أكل الخبز واللحم لأنهم في رحلتهم ما كانوا يطبخون بل الظاهر أنهم كانوا يقتاتون من ألبان مواشيهم التي أخرجوها معهم ومما تنبته الأرض، وأما تظليلهم بالغمام فالظاهر أنه وقع بعد أن سألوا رؤية الله لأن تظليل الغمام وقع بعد أن نصب لهم نبى الله موسى عليه السلام خيمة الاجتماع محل القرابين ومحل مناجاة نبى الله موسى وقبلة الداعين من بني إسرائيل في برية سينا فلما تمت الخيمة سنة اثنتين من خروجهم من مصر غطت سحابة خيمة الشهادة ومتى ارتفعت السحابة عن الخيمة.
فذلك إذن لبني إسرائيل بالرحيل فإذا حلت السحابة حلوا وكذلك تقول كتبهم، فلما سأل بنو إسرائيل الخبز واللحم كان المن ينزل عليهم في الصباح والسلوى تسقط عليهم في المساء بمقدار ما يكفي جميعهم ليومه أو ليلته إلا يوم الجمعة فينزل عليهم منهما ضعف الكمية لأن في السبت انقطاع النزول، والمن مادة صمغية جوية ينزل على شجر البادية شبه الدقيق المبلول، فيه حلاوة إلى الحموضة، ولونه إلى الصفرة ويكثر بوادي تركستان، وقد ينزل بقلة غيرها ولم يكن يعرف قبل في برية سينا، وقد وصفته التوراة بأنه دقيق مثل القشور يسقط ندى كالجليد على الأرض وهو مثل بزر الكزبرة أبيض وطعمه كرقاق بعسل، وسمته بنو إسرائيل منا، وقد أمروا أن لا يبقوا منه للصباح لأنه يتولد فيه دود.
وأن يلتقطوه قبل أن تحمى الشمس لأنها تذيبه فكانوا إذا التقطوه طحنوه بالرحا أو دقوه وطبخوه في القدور وعملوه ملات وكان طعمه كطعم قطائف بزيت وأنهم أكلوه أربعين سنة حتى جاءوا إلى طرف أرض كنعان، يريد إلى حبرون، وأما السلوى فهي اسم جنس جمعي واحدته سلواة وقيل لا واحد له وقيل واحده وجمعه سواء وهو طائر بري لذيذ اللحم سهل الصيد كانت تسوقه لهم ريح الجنوب كل مساء فيمسكونه قبضا ويسمى هذا الطائر أيضا السمانى، وقيل هو الجمع وأما المفرد فهو سماناة ، ويقول الله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشر عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين”
وتتحدث هذه الآية الكريمة عن نكران بني إسرائيل لنعمة أخرى، لقد كانوا بحاجة إلى الماء في موضع كان نزول المطر فيه شحيحا، فدعا نبى الله موسى عليه السلام للسقيا فأمره الله تعالى أن يضرب حجرا معينا، وعندما ضربه تفجرت منه اثنتا عشر عينا، ووجدت كل جماعة منهم ماء وعينت لها موردا، وقيل أنه لقد أخطأ بعض المفسرين أيضا في فهم هذه الآية، فظنوا أن نبى الله موسى عليه السلام، كان يحمل معه حجرا، وكلما احتاج بنو إسرائيل للماء يضربه بالعصا ويفجر منه اثنتي عشرة عينا، فإذا كان الله تعالى هيأ في بعض المناطق الماء لبني إسرائيل بإنزال المطر من الغمام كمعجزة، فلزم أن تكون معجزة تدفق الماء من الحجر بضرب العصا أيضا خاضعة لسنن الله الكونية.