الدكرورى يكتب عن المنّ والسلوي في رحلة التيه ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
المنّ والسلوي في رحلة التيه ” جزء 4″
ونكمل الجزء الرابع مع المنّ والسلوي في رحلة التيه، فلو كان الله تعالى نبههم من قبل بأن طيور السماني ستأتيكم فلا تأكلوها لكان هناك مبرر للغضب عليهم، أو إذا كان السماني حراما أكله على بني إسرائيل لاستحقوا العقاب، ولكن لم يكن عندهم أي حرمة لها، فإذا كانوا وجدوا شيئا حلالا وأرادوا أكله فأي مبرر للغضب والعذاب الذي ملأ الأرض بقبورهم؟ إنه لظلم عظيم، والله ليس بظلام للعبيد، وقول الحق سبحانه وتعالى ” وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون” فى تفسير القرطبي، أن فيه ثماني مسائل الأولى قوله تعالى ” وظللنا عليكم الغمام أي جعلناه عليكم كالظلة والغمام جمع غمامة كسحابة وسحاب قاله الأخفش سعيد.
وقال الفراء ويجوز غمائم وهي السحاب، لأنها تغم السماء أي تسترها وكل مغطى فهو مغموم، ومنه المغموم على عقله وغم الهلال إذا غطاه الغيم والغين مثل الغيم، ومنه قوله عليه السلام “إنه ليغان على قلبي” وقال صاحب العين معنى غين عليه غطي عليه والغين شجر ملتف وقال السدي الغمام السحاب الأبيض وفعل هذا بهم ليقيهم حر الشمس نهارا، وينجلي في آخره ليستضيئوا بالقمر ليلا وذكر المفسرون أن هذا جرى في التيه بين مصر والشام لما امتنعوا من دخول مدينة الجبارين، وقتالهم وقالوا لنبى الله موسى عليه السلام، فاذهب أنت وربك فقاتلا فعوقبوا في ذلك الفحص أربعين سنة يتيهون في خمسة فراسخ أو ستة، وروي أنهم كانوا يمشون النهار كله وينزلون للمبيت فيصبحون حيث كانوا بكرة أمس.
وإذ كانوا بأجمعهم في التيه قالوا لنبى الله موسى عليه السلام من لنا بالطعام ؟ فأنزل الله عليهم المن والسلوى، قالوا من لنا من حر الشمس ؟ فظلل عليهم الغمام، قالوا فبم نستصبح ؟ فضرب لهم عمود نور في وسط محلتهم، وذكر مكي أنه عمود من نار، فقالوا من لنا بالماء ؟ فأمر الله تعالى نبيه موسى عليه السلام بضرب الحجر، قالوا من لنا باللباس ؟ فأعطوا ألا يبلى لهم ثوب ولا يخلق ولا يدرن، وأن تنمو صغارها حسب نمو الصبيان، فإن المن والسلوى اللذين أنزلهما الله تعالى على بني إسرائيل مختلف في تعيين المراد منهما، فقيل إن المن هو طل ينزل من السماء على شجر، أو حجر، ويحلو وينعقد عسلا، ويجف جفاف الصمغ، وقيل المن العسل، وقيل شراب حلو.
وقيل هو مصدر يعم جميع ما من الله به على عباده من غير تعب ولا زرع، وهذا المعنى الأخير أعم، ويدل له ما في الصحيحين من أن الكمأة من المن الذي أنزل على نبى الله موسى عليه السلام، وأما السلوى فهو طائر يشبه السماني، أو هو السماني نفسه، وقيل أيضا أنه العسل، وقد اختلفت عبارات المفسرين في المراد بالمن والسلوى، وذكر في التفاسير أقوال للسلف فيهما، فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المنّ كان ينزل عليهم على الأشجار فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاؤوا، فهو شيء ينزل على الأشجار، وجاء وصفه في روايات أخرى بأنه كالصمغ وطعمه كالعسل، وقال قتادة كان المنّ ينزل عليهم في محلتهم سقوط الثلج، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل.
وقال الربيع بن أنس، المن شراب كان ينزل عليهم مثل العسل، فيمزجونه بالماء ثم يشربونه، وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره والظاهر والله أعلم أنه كل ما امتن الله تعالى به عليهم من طعام وشراب، وغير ذلك، مما ليس لهم فيه عمل ولا كد، وفي البخاري وغيره عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم ” الكمأه من المن وماؤها شفاء للعين” وهذا من الطب النبوي الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويذكر الشراح أنه جُرب من أكثر من شخص فقدوا البصر، ثم تداووا بماء الكمأة فأبصروا، ويذكرونهم بالأسماء، حتى النووي رحمه الله في شرح مسلم ذكر بالأسماء، وكذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله، ذكر، وغيرهم ذكروا، وهذا من الطب النبوي الشريف، فمن المفيد جدا أن يتداوى ويتعالج الناس بهذا العلاج الشرعي.