الدكرورى يكتب عن المنّ والسلوي في رحلة التيه ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
المنّ والسلوي في رحلة التيه ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثانى مع المنّ والسلوي في رحلة التيه، وقيل أنه نوع من الحبوب يدخل في صناعة الخبز، وقيل أنه مادة صمغية كانت تنزل على أوراق الشجر، أما السلوى فإنه نوع من الطيور وقيل أنه طير من طيور الجنة، وأما عن بنى إسرائيل فقيل أنه حين اشتد بهم الظمأ إلى الماء، وسيناء مكان يخلو من الماء، ضرب لهم موسى بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا من المياه وكان بنو إسرائيل ينقسمون إلى اثنى عشرا سبطا، فأرسل الله المياه لكل مجموعة، ورغم هذا الإكرام والحفاوة، تحركت في النفوس التواءاتها المريضة، واحتج قوم موسى بأنهم سئموا من هذا الطعام، واشتاقت نفوسهم إلى البصل والثوم والفول والعدس، وكانت هذه الأطعمة أطعمة مصرية تقليدية.
وهكذا سأل بنو إسرائيل نبيهم موسى عليه السلام، أن يدعو الله ليخرج لهم من الأرض هذه الأطعمة، وعاد نبى الله موسى عليه السلام يستلفتهم إلى ظلمهم لأنفسهم، وحنينهم لأيام هوانهم في مصر، وكيف أنهم يتبطرون على خير الطعام وأكرمه، ويريدون بدله أدنى الطعام وأسوأه، ولقد سار نبى الله موسى عليه السلام بقومه في اتجاه البيت المقدس، وقد أمر موسى قومه بدخولها وقتال من فيها والاستيلاء عليها، وها قد جاء امتحانهم الأخير، وبعد كل ما وقع لهم من المعجزات والآيات والخوارق، جاء دورهم ليحاربوا وذلك بوصفهم مؤمنين، قوما من عبدة الأصنام، فرفض قوم موسى عليه السلام دخول الأراضي المقدسة، وحدثهم نبى الله موسى عن نعمة الله عليهم.
وكيف جعل فيهم أنبياء، وجعلهم ملوكا يرثون ملك فرعون وآتاهم ” ما لم يؤت أحدا من العالمين” وكان رد قومه عليه أنهم يخافون من القتال، فقالوا إن فيها قوما جبارين، ولن يدخلوا الأرض المقدسة حتى يخرج منها هؤلاء، وانضم لموسى وهارون اثنان من القوم، وتقول كتب القدماء إنهم خرجوا في ستمائة ألف، ولم يجد نبى الله موسى عليه السلام من بينهم غير رجلين على استعداد للقتال، وراح هذان الرجلان يحاولان إقناع القوم بدخول الأرض والقتال، فقالا لهم إن مجرد دخولهم من الباب سيجعل لهم النصر، ولكن بني إسرائيل جميعا كانوا يتدثرون بالجبن ويرتعشون في أعماقهم، ومرة أخرى تعاودهم طبيعتهم التي عاودتهم قبل ذلك حين رأوا قوما يعكفون على أصنامهم.
فسدت فطرتهم، وانهزموا من الداخل، واعتادوا الذل، فلم يعد في استطاعتهم أن يحاربوا، وإن بقي في استطاعتهم أن يتوقحوا على نبي الله موسى وربه، وقال قوم موسى له كلمتهم الشهيرة ” فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون” وهكذا بصراحة وبلا التواء، فقد أدرك نبى الله موسى أن قومه ما عادوا يصلحون لشيء، فقد مات الفرعون ولكن آثاره في النفوس باقية يحتاج شفاؤها لفترة طويلة، وعاد موسى إلى ربه يحدثه أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه، فقد دعا موسى على قومه أن يفرق الله عز وجل بينه وبينهم، وأصدر الله تعالى حكمه على هذا الجيل الذي فسدت فطرته من بني إسرائيل، وكان الحكم هو التيه أربعين عاما، حتى يموت هذا الجيل أو يصل إلى الشيخوخة.
ويولد بدلا منه جيل آخر، جيل لم يهزمه أحد من الداخل، ويستطيع ساعتها أن يقاتل وأن ينتصر، فيتبين لنا أن السحب كانت تظل مكانا يريد الله تعالى أن ينزلوا فيه أثناء عبورهم سيناء، وإذا أراد سفرهم أظلتهم مرة أخرى في السفر، ولكن سياق القرآن وكلماته تبين أن المراد من ظلال الغمام هو المطر، لأن السحب الداكنة المظلمة ممطرة عموما، وبيان القرآن، كما هي عادته، تصحيح لبيان التوراة، لأن وصف التوراة للسحب غير ضروري وغير معقول، فأي داع لإحاطة بني إسرائيل بالسحب لتوجيههم إلى المكان المناسب لإقامتهم؟ كان يكفي أن يوحى الله تعالى لنبيه موسى عليه السلام ويخبره بذلك، ولقد ذكر القرآن إلى جانب الغمام المنّ والسلوى، ومن هذا يتبين أن تلك الفيافي المجدبة كان يعوزها الطعام والماء.