الدكروري يكتب عن مخاطر الطلاق والإنفصال ” جزء 7″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
مخاطر الطلاق والإنفصال ” جزء 7″
ونكمل الجزء السابع مع مخاطر الطلاق والإنفصال، وإذا كانت طبيعة الإنسان تهوى الجمال فليس من الممكن أن يقف الإسلام حائلا بين طبيعة الإنسان واختياره، إلا أن هذا الإعتبار يجب أن لا يتعارض مع الدين فلا خير في امرأة أو رجل امتلكا الجمال والوسامة مع فساد دينهما، وقد حذر الإسلام من الإفتتان بالظواهر مع فساد البواطن في أكثر من مناسبة، وإن من المعايير التي يجب مراعاتها، هو التقارب في السن، فالنفس تأنس بالنظير والشبيه، فكلما كان السن متقاربا كان أدعى إلى التفاهم، ولا يفهم من هذا حرمة أن يكون فارق كبير في السن، إلا أن هذا من قبيل الإرشاد لا غير، وقد خطب كل من أبي بكر وعمر فاطمة الزهراء رضي الله عنهم، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أجابهما بأنها صغيرة، ولكن عندما خطبها الإمام علي رضي الله عنه زوجه منها.
وذلك لتقاربهما في السن، وكذلك أيضا التقارب في التحصيل العلمي، فكلما كان الزوجان متقاربين علميا كان ذلك سبيلا إلى انسجامهما، فقال تعالى في سورة الزمر ” قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب” والسؤال في الآية للإنكار والمعنى أنهم لا يستوون، والآية في سياق التفريق بين من يعلمون حق الله عليهم فيطيعونه ومن لا يعلمون حق الله عليهم فيعصونه، وهي عامة في كل مناحي الحياة وهو ما عرفه البشر بتجاربهم أنه لا يستوي من يعلم ومن لا يعلم، وعدم التساوي يؤدي إلى التباين في الفهم وتقدير الأمور مما ينعكس سلبا على حياة الزوجين، فمراعاة هذا الأمر في البداية هو أفضل مع كونه ليس واجبا، وكذلك أيضا التقارب في المستوى الإجتماعي ونعني بذلك أن يخطب الرجل الفتاة من بيئة كبيئته من حيث مستوى المعيشة.
لأن إختلاف طبيعة الحياة على الزوجة خاصة له أثر كبير بعدم ديمومة الحياة الزوجية، فالفتاة التي تعيش في كنف أبيها الثري الذي يلبي لها كل ما تطلبه، قد يصعب عليها العيش في ظل زوج فقير لا يلبي لها الحد الأدنى من حياتها المعتادة، وكما يجب مراعاة جانب الطبائع والمزاج، وعدم مراعاة هذا الجانب كان سببا في هدم أسر قائمة، وفي حديث السيدة فاطمة بنت قيس، رفض النبي صلى الله عليه وسلم زواجها من أبي جهم لحدة طبعة وعنفه، وهو ما يسلط الضوء على هذا الموضوع، فكثير من الناس لا ينتبه لهذا، ولذلك يقولون إن فلانا صاحب خلق ودين وتزوج من فلانة وهي كذلك صاحبة خلق ودين لكنهما لم يتفقا، وانتهى الأمر بهم إلى الطلاق، ولا يخفى أن السبب في فراقهما هو الإختلاف في طبائعهما ونظرتهما للحياة.
ونحن نعرف أن الإسلام لا يفرض على الناس أسلوبا عسكريا محددا في نظرتهم للأمور، وفي رتابة عيشهم، لذلك تجد الناس مختلفين، ولهذا السبب نولي الأهمية في قضية معرفة طبائع الشخص قبل الموافقة عليه، وكما يجب مراعاة المزايا الجسدية والبنيوية في كلا الخاطبين، فقد أعجبت ابنة الرجل الصالح بموسى عليه السلام لما رأت من أمانته وقوته فاقترحت على أبيها استئجاره، وكذلك فعلت السيدة خديجة رضي الله عنها لما رأت من كمال أخلاقه وحسن بنيانه صلى الله عليه وسلم، وروى جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل، قال فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها وفي رواية وقال جارية من بني سلمة.
فكنت أتخبأ لها تحت الكرب، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها، فتزوجتها، وكما كان كمال الخلقة سببا في رغبة ابنة الرجل الصالح بموسى عليه السلام كانت دمامة ثابت بن قيس رضي الله عنه سببا في مفارقة زوجته له، فقد روى ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أتردين عليه حديقته” قالت نعم، وإن من أسباب انتشار مشكلة الطلاق هو عدم استشعار بعض الأزواج أهمية هذا المشروع العظيم والميثاق الغليظ وهو الزواج, فهم يعتبرونه للوطء والجماع وتفريغ الشهوة وحسب, ولا يلتفتون أبدا لكونه موضعا للرحمة والمودة, ومحلا للاطمئنان والسكينة, ومحضنا للتربية وصناعة الأجيال.