الدكروري يكتب عن مخاطر الطلاق والإنفصال ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
مخاطر الطلاق والإنفصال ” جزء 4″
ونكمل الجزء الرابع مع مخاطر الطلاق والإنفصال، ويفهم هذا المعيار، وهو معيار الدين من زاويتين، والزاوية الأولى وهو أن الإسلام تقدم بزواج المراة المسلمة على الكتابية، رغم جواز الزواج من الكتابيات، فالأولى هو الزواج من المسلمة لما لذلك من دواعي استمرار الحياة الزوجية حيث الدين الواحد والعادات المتقاربة المكتسبة من الدين، ويفهم هذا من قوله تعالى كما جاء في سورة البقرة ” ولأمة مؤمنه خير من مشركة ولو أعجبتكم” وقد يقول قائل إن هذه الآية في المشركات وليس في الكتابيات، وهذا صحيح ولكن أهل الكتاب قد دخل الشرك في عقائدهم، وقد أباحت الآية الزواج من أهل الكتاب على خلاف القياس، فينبغي عدم التوسع في الزواج منهن، انسجاما مع مجموع النصوص الداعية إلى مراعاة عنصر الدين في اختيار الزوجة.
كما أنّ عقائد أهل الكتاب لا تخلو من الشرك، وأما عن الزاوية الثانية وهي أيضا الدين ويقصد به هنا التدين أي التقرب إلى الله بالتزام أوامره واجتناب نواهيه، حيث قال الله تعالى في وصف الزوجة الصالحة، كما جاء في سورة النساء ” فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ” فالآية تشير إلى عنصر الصلاح عند المرأة وما يؤديه ذلك من محافظتها على حق زوجها وماله وعرضه الذي هو عرضها، وهنا ما يجب الإنتباه إليه في هذه الآية وهو أن الله تعالى قد حفظ الزوجات من الوقوع في الحرام، وهي فطرة الله تعالى في النساء، فالمرأة بطبيعتها ليست كالرجل إذ أن طبيعته الإندفاع أما المرأة فطبيعها الإحتجاز، وهذه الطبيعة في المرأة لا تفارقها إلا إذا فقدت عنصر الحياء وهو علامة الإيمان الظاهرة، الآية واضحة الدلالة في ذلك.
فإن كانت صالحة قانتة فهي حافظة لحق زوجها بسبب حفظ الله لها من الوقوع في الحرام، وقال ابن عاشور في تفسير آية الطلاق في سورة البقرة ” لا جناح عليكم إن طلقتم النساء” أنه قد يعرض من تنافر الأخلاق وتجافيها ما لا يطمع معه في تكوين هذين السببين وهو سببي المعاشرة، وهما السبب الجبلي، والسبب الاصطحابي، أو أحدهما، فاحتيج إلى وضع قانون للتخلص من هذه الصحبة لئلا تنقلب سبب شقاق وعداوة، فالتخلص قد يكون مرغوبا لكلا الزوجين، وهذا لا إشكال فيه، وقد يكون مرغوبا لأحدهما، ويمتنع منه الآخر، فلزم ترجيح أحد الجانبين، وهو جانب الزوج لأن رغبته في المرأة أشد، كيف وهو الذي سعى إليها، ورغب في الاقتران بها؟ ولأن العقل في نوعه أشد، والنظر منه في العواقب أسد، ولا أشد احتمالا لأذي.
وصبرا على سوء خلق من المرأة، فجعل الشرع التخلص من هذه الورطة بيد الزوج، وهذا التخلص هو المسمّى بالطلاق” وإن المتأمل في الآيات الكريمة يلحظ أن كلمة الطلاق في كل مرة تأتي متبوعة بأحد أوصاف المعروف والإحسان للدلالة على أن المطلقين حتى وإن كانا متخاصمين، وبدت الحياة بينهما مستحيلة، إلا أنهما يتفارقان عن طيب خاطر، فإذا وصلت العلاقة إلى هذه الطريق ديانة يجب على الطرفين أن يكونا حليمين عادلين، ملتزمين بآداب الطلاق التي أَمر بها الإسلام، وكثيرا ما نرى أثناء إجراء معاملات الطلاق مشاحنات وسبابا وشتائم بين الزوجين، أو أهليهما، وقد يصل ذلك حد الضرب والاقتتال، أو إظهار عيوب ومساوئ كل طرف أمام الناس، وفي ساحة المحاكم حتى يبرر الوضع الذي انتهى إليه، وهذا شيء لا يرضاه الدين، فعلى الزوجين أن يمتثلا للآداب الإسلامية في الطلاق.
وإن من آداب الطلاق أن يكون رجعيّا أي طلقة واحدة، فلا يجمع بين الثلاث لأن الطلقة الواحدة بعد العدّة تفيد المقصود، ويستفيد بها الرّجعة إن ندم في العدة، وتجديد النكاح إن أراد بعد العدة، وأن يقع الطلاق في حالة هدوء لا غضب فيه ولا شقاق، وأن يقع في طهر لم يسبقه جماع، فإن لم تكن الزوجة كذلك، فاصبر حتى تطهر، ثم إن شئت طلقتها، وإن شئت أمسكتها، ولا تغلظ لها القول، بل تلطف في النطق بالطلاق، والتمس الأعذار المسببة له، واطلب به سعادة الطرفين، وأيضا لا تخرجها من بيتك إلا إذا أتمت العدة، وتبيّن لك من نفسك بانقضائها صدق رغبتك في طلاقها، والإصرار على فراقها، فقال الله تعالى في سورة الطلاق” يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا”