الدكررورى يكتب عن نبي الله إسحاق عليه السلام ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله إسحاق عليه السلام ” جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع نبي الله إسحاق عليه السلام، وإن من تمام كرم الله تعالى، أنه لم يبشره بأي غلام، بل بشره بنبي صالح مبارك عليه، فهكذا يجود الله تعالى على أنبيائه وأصفيائه، فيختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، وقيل إن نبى الله اسحاق عليه السلام ولد ولأبيه مائة سنة، بعد أخيه إسماعيل بأربع عشرة سنة، وكان عمر أمه سارة حين بُشّرت به تسعين سنة، فيما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن سلسة ذرية إبراهيم وإسحاق هى سلسلة كرام، إذ حوت أنبياء الله تعالى يوسف ويعقوب وإسحاق وإبراهيم عليهم السلام وذكر أن إسحاق عليه السلام لما أكمل الأربعين سنة من عمره تزوج، فأنجبت له امرأته توأما، هما يعقوب عليه السلام الذي يسمى بإسرائيل، وهو من ينتسب إليه بنو إسرائيل وبني بيت المقدس، ومن ذريته تناسل الأنبياء.
فكان ممن ولد له يوسف عليه السلام، ومن ذريته أرسل الله تعالى الأنبياء موسى وهارون عليهما السلام، اما الولد الثاني فهو عيسو، وقيل إنه والد الروم، ومما قيل، أن إسحاق عليه السلام كان يميل قلبه إلى حب عيسو أكثر من غيره، وقالوا فلما كبر نبى الله إسحاق وضعف بصره، اشتهى على ابنه العيص طعاما، وأمره أن يذهب فيصطاد له صيدا، ويطبخه له ليبارك عليه، ويدعو له، وكان العيص صاحب صيد، فذهب يبتغي ذلك، فأمرت رفقا ابنها يعقوب أن يذبح جديين من خيار غنمه، ويصنع منهما طعاما كما اشتهاه أبوه، ويأتي إليه به قبل أخيه ليدعو له، فقامت فألبسته ثياب أخيه، وجعلت على ذراعيه وعنقه من جلد الجديين، لأن العيص كان أشعر الجسد، ويعقوب ليس كذلك، فلما جاء به وقربه إليه، قال من أنت؟ قال ولدك، فضمه إليه وجسه.
وجعل يقول أما الصوت فصوت يعقوب، وأما الجس والثياب فالعيص، فلما أكل وفرغ دعا له أن يكون أكبر إخوته قدرا، وكلمته عليهم وعلى الشعوب بعده، وأن يكثر رزقه وولده، فلما خرج من عنده، جاء أخوه العيص بما أمره به والده، فقربه إليه، فقال له ما هذا يا بني؟ قال هذا الطعام الذي اشتهيته، فقال أما جئتني به قبل الساعة وأكلت منه ودعوت لك؟ فقال لا والله، وعرف أن أخاه قد سبقه إلى ذلك، فوجد في نفسه عليه وجدا كثيرا، وذكروا أنه تواعده بالقتل إذا مات أبوهما، وسأل أباه فدعا له بدعوة أخرى، وأن يجعل لذريته غليظ الأرض، وأن يكثر أرزاقهم وثمارهم، فلما سمعت أمهما ما يتواعد به العيص أخاه يعقوب، أمرت ابنها يعقوب أن يذهب إلى أخيها لابان الذي بأرض حران، وأن يكون عنده إلى حين يسكن غضب أخيه عليه، وأن يتزوج من بناته.
وقالت لزوجها إسحاق أن يأمره بذلك، ويوصيه ويدعو له ففعل، فخرج يعقوب عليه السلام من عندهم، من آخر ذلك اليوم، فأدركه المساء في موضع فنام فيه، وأخذ حجرا فوضعه تحت رأسه ونام فرأى في نومه ذلك معراجا منصوبا من السماء إلى الأرض، وإذا الملائكة يصعدون فيه وينزلون، والرب تبارك وتعالى يخاطبه ويقول له إني سأبارك عليك، وأكثر ذريتك، وأجعل لك هذه الأرض ولعقبك من بعدك، فلما هبّ من نومه فرح بما رأى، ونذر لله لئن رجع إلى أهله سالما ليبنين في هذا الموضع معبد الله عز وجل، وأن جميع ما يرزقه من شيء يكون لله عشره، ثم عمد إلى ذلك الحجر فجعل عليه دهنا يتعرفه به، وسمى ذلك الموضع بيت إيل أي بيت الله، وهو موضع بيت المقدس اليوم، الذي بناه يعقوب بعد ذلك وقالوا فلما قدم يعقوب على خاله أرض حران.
إذا له ابنتان، اسم الكبرى ليا، واسم الصغرى راحيل، وكانت أحسنهما وأجملهما، فطلب يعقوب الصغرى من خاله، فأجابه إلى ذلك بشرط أن يرعى على غنمه سبع سنين، فلما مضت المدة على خاله لابان، صنع طعاما وجمع الناس عليه، وزف إليه ليلا ابنته الكبرى ليا، وكانت ضعيفة العينين قبيحة المنظر، فلما أصبح يعقوب إذا هي ليا، فقال لخاله لقد غدرت بي وأنت إنما خطبت إليك راحيل، فقال إنه ليس من سنتنا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى، فإن أحببت أختها فاعمل سبع سنين أخرى وأزوجكها، فعمل سبع سنين وأدخلها عليه مع أختها، وكان ذلك سائغا في ملتهم، ثم نسخ في شريعة التوراة، وهذا وحده دليل كاف على وقوع النسخ، لأن فعل يعقوب عليه السلام دليل على جواز هذا وإباحته، لأنه معصوم، ووهب لابان لكل واحدة من ابنتيه جارية.