الدكررورى يكتب عن نبي الله إسحاق عليه السلام ” جزء 7″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله إسحاق عليه السلام ” جزء 7″
ونكمل الجزء السابع مع نبي الله إسحاق عليه السلام، وإن الله سبحانه وتعالى قد رتب عباده السعداء المنعم عليهم أربع مراتب وبدأ بالأعلى منهم وهم النبيون، وقد ورد في سبب نزول هذه الآية أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم قد شق عليهم أن النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة يرفع مع النبيين في الدرجات العلا فتكون منزلتهم دون منزلته فلا يصلون إليه ولا يرونه ولا يجالسونه، فنزلت هذه الآية مبينة وموضحة أن من أطاع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم يكون من نعيمه في الجنة أن يتمكن من مجالسة الأنبياء ورؤيتهم وزيارتهم، فلا يفوته ذلك، وهذه المعية والرفقة لا تعني تساويهم في الدرجة، بل هم متفاوتون، لكنهم يتزاورون ويتجالسون ويأنسون بقربهم كما كانوا في الدنيا، وهذا بفضل الله تعالى لاتباعهم الأنبياء, واقتدائهم بهم، فالآية نص في تفضيل الأنبياء.
على البشر فهم أفضل أولياء الله وأرفعهم درجة على الإطلاق، فإن العقل يقضي بكون الأنبياء خير الخلق وأفضلهم، لأنهم رسل الله تعالى, والواسطة بينه وبين خلقه في تبليغهم شرعه ومراده من عباده، وشرف الرسول عليه السلام، من شرف المرسل وشرف الرسالة، وهم المصطفون من عباد الله تعالى, اصطفاهم الله تعالى واختارهم واجتباهم ولا يختار سبحانه من الخلق إلا أكرمهم عليه وأفضلهم عنده وأكملهم لديه، فقال ابن القيم رحمه الله، ويكفي في فضلهم وشرفهم أن الله سبحانه وتعالى اختصهم بوحيه، وجعلهم أمناء على رسالته، وواسطة بينه وبين عباده، وخصهم بأنواع كراماته فمنهم من اتخذه خليلا، ومنهم من كلمه تكليما، ومنهم من رفعه مكانا عليّا على سائرهم درجات، ولم يجعل لعباده وصولا إليه إلا من طريقهم، ولا دخولا إلى جنته إلا خلفهم.
ولم يكرم أحدا منهم بكرامة إلا على أيديهم, فهم أقرب الخلق إليه وسيلة, وأرفعهم عنده درجة, وأحبهم إليه وأكرمهم عليه، وبالجملة فخير الدنيا والآخرة إنما ناله العباد على أيديهم, وبهم عرف الله, وبهم عبد وأطيع, وبهم حصلت محابه تعالى في الأرض، وقد أعلى منازل الخلق في تحقيق العبودية لله عز وجل، ولقد حقق الأنبياء عبوديتهم لله فكانوا عباد الله المخلصين الذين بين سبحانه وتعالى أنهم هم الذين ينجون من السيئات التي يزينها الشيطان، وأما عن نبى الله إسحاق عليه السلام، فقد قيل أنه لما شب وترعرع إسحاق عليه السلام وبلغ الاربعين من عمره، وقيل الستين، تزوج من رفعة، وقيل رفقا، وقيل يومحاء بنت بتوئيل بن ناحور، فولدت توأمين هما عيسو أو العيص ويعقوب عليه السلام، وأقام بمدينة بئر السبع، وقد أصبح من أثرياء زمانه.
وكلما تقدم في السن زادت أمواله، وكثر عبيده، وفي أواخر أيامه فقد بصره، ولم يزل حتى توفي بفلسطين، وقبل بالشام، ودفنوه إلى جوار ابيه في مغارة المكفيلة في حبرون، وتدعى اليوم بمدينة الخليل، وكانت بعثته للنبوة في زمن واحد مع بعثة أبيه وأخيه إسماعيل عليه السلام وبعثة لوط عليه السلم وولده يعقوب بن إسحاق عليه السلام، وهكذا تبدأ قصة النبي اسحاق ببشرى من الله تعالى لإبراهيم عليه السلام، الذي بلغه الكبر، وكانت امرأته سارة عجوزا، انقطع عنها الولد لكبر سنها، فأرسل الله تعالى له ملائكة بصورة آدميين مسافرين، كانوا في طريقهم إلى قرى لوط عليه السلام ليقيموا الحجة على أهلها، فلما مروا بإبراهيم عليه السلام طلبوا إليه أن يستضيفهم في بيته، ففعل عليه السلام، إذ كان معروفا بالكرم وحسن استقبال الضيف.
وجاء لهم بعجل حنيذ أى مشوي فلما قدمه إليهم، فلم يأكلوا، ولم تمتد أياديهم اليه، كون ان الملائكة لا تأكل ولا تشرب، فدخل الخوف إلى قلبه عليه السلام، وخشي أنهم لم يأكلوا من الطعام لأنهم يضمرون السوء له، فطمأنوه، أي الملائكة بأنهم رسل من الله تعالى، ثم بشروه بميلاد إسحاق عليه السلام، وعقب هذه البشرى تعجب إبراهيم عليه السلام من أن يولد له ولد وقد بلغ من الكبر عتيا، ثم إن امرأته سارة عاقر، لكن إرادة الله تعالى فوق كل إرادة، وكرمه فوق أي كرم، ويكفيه في ذلك أن يتوكل الإنسان عليه، ويسأله تعالى دونما جزع أو يأس من جوده، وأما امرأته عليه السلام، فقد كانت تسمع ما يدور من الحديث بين زوجها وهؤلاء الضيوف، وبلغ منها العجب مبلغا، إذ كيف تلد وهي عجوز، وكيف لبعلها ذلك وهو شيخ كبير.