الدكرورى يكتب عن مقبرة المعلاة بمكة المكرمة
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
مقبرة المعلاة بمكة المكرمة
إن مع كل هذا التكريم والتقدير للمسلمين أحياء وأمواتا إلا أن الإسلام حذر أشد التحذير من تعظيم القبور، وبخاصة قبور الأنبياء والصالحين، فقد حذر الإسلام من الصلاة إلى القبور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها” رواه مسلم، وقد حذر من إضاءتها وإيقاد السرج عليها، فقال صلى الله عليه وسلم “لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج” رواه أحمد والترمذي، وقد حذر الإسلام من البناء عليها وتجصيصها.
فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبر، وأن يقعد عليه وأن يبني عليه بناء” رواه مسلم، ومقبرة المعلاة وهى مقبرة تقع في بداية طريق الحجون على يمين المتوجه إلى الحرم المكي من جهة حي المعابدة في مكة المكرمة، وتضم مقبرة المعلاة أماكن مجهزة لتغسيل وتكفين الموتى، وعادة ما يحمل الموتى لمقبرة المعلاة بعد الصلاة عليهم بالمسجد الحرام، ليحمل المصلون الجنازة إلى مقبرة المعلاة لدفنها، وتعتبر المسافة بين المسجد الحرام وبين مقبرة المعلاة قريبة نسبيا، ومقبرة المعلاة مقبرة عامة لأهل مكة المكرمة.
وقد ورد في فضل المقبرة حديث ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول “نعم المقبرة هذه” وتقع مقبرة المعلاة على سفح جبل الحجون في الجنوب الغربي الذي يمتد من ريع الحجون شمال مكة المكرمة ويشرف على المقبرة من الجهة الغربية جبل السليمانية، ومن الجهة الشرقية جبل الحجون، ويطلق عليها اسم مقبرة المعلا، بدون التاء المربوطة أو باسم مقبرة أهل مكة، وسميت المعلاة بهذا الاسم نظرا لأنها تقع في أعلى مكة، وهي في نفس الموقع القديم الذي كانت عليه في الجاهلية والإسلام.
وتعد مقبرة المعلاة التي تقع في شمال المسجد الحرام، مقبرة أهل مكة منذ العصر الجاهلي إلى الوقت الحاضر، فهي تضم قبور بني هاشم من أجداد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأعمامه وقبور بعض الصحابة والتابعين، ويوجد بها قبر زوجة الرسول أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضى الله عنها، وقبر عبد الله بن الزبير وأمه السيدة أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنهم، والخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، وكما أن كثيرا من أعلام الإسلام من الصحابة والتابعين وكبار العلماء والصالحين جرى دفنهم فيها.
وكانت المقبرة في العهود السابقة كانت خارج النطاق العمراني لمكة المكرمة حتى العصر الأموي، وكان هناك سور قديم مبني بالحجارة يحيط بمقبرة المعلاة، وقيل أنه شرع الشيخ محمد علي بن سليمان الوزير الذي حضر من اليمن في هدم قبور المعلاة وبنى مقبرة خاصة ذات جدر أربع مقسمة تقسيما منظما وجعل لها بابين وكان ممن أولع بتنظيم مكة ومناسك الحج، وقد جُدد بناء السور مرارا بواسطة أمانة العاصمة المقدسة وهو الآن على الطراز الحديث المسلح، وتعد مقبرة المعلاة من أكبر المقابر التي لا يزال الدفن فيها جاريا إلى اليوم.
ويستخدم القبر الواحد عدة مرات حيث إنه كلما امتلأت المقبرة ينظف القبر ويستخدم مرة أخرى، ونظرا لتضرر المقبرة في مدة سابقة لقدمها ولتسرب مياه الصرف الصحي داخل القبور لانخفاض منسوبها عن مستوى الشوارع المحيطة بها فقد قام فيها مشروع إعادة تجهيز القبور ورفع مستوى أرضية المقبرة بحيث يصبح أعلى من منسوب الطرق المحيطة بها، وكان عندما يدفن الميت في المقبرة يوضع على قبره علامة تميز مكانه كشاهد، وعادة ما تكون من حجر مستطيل غير منتظم الأضلاع تقطع من جبال المنطقة.
وينقش اسم المتوفى بخط غائر أو بارز، مع بعض الآيات والأدعية، وفي أحيان كثيرة يكتب التاريخ مبينا اليوم والشهر والسنة، ومع مرور الزمن تغيرت معالم القبور وتبعثرت الأحجار الشاهدية المكتوبة بمختلف أنواع الخطوط العربية من مئات السنين، وأعيد استخدام الأحجار المنقوشة مرة أخرى على قبور مغايرة في المقبرة نفسها قديما وحديثا، حيث توضع الأحجار كغطاء أو كعلامة على القبر، ويتحين كثير من الحجاج الفرصة لزيارة المواقع الأثرية أثناء رحلتهم إلى الأراضي المقدسة، ومن هذه المعالم مقبرة المعلاة.
حيث وصفها عديد من الرحالة والمستشرقين بمقبرة العظماء، وفي ذلك دلالة على الخصوصية التي لم تفقدها المقبرة خلال سنوات مضت، وتقول بعض الروايات التاريخية إن رجال الحرس في تلك العهود كانوا يجوبون أطراف مكة المكرمة للحفاظ على الأمن، ويجتمع رئيس الحرس مع أفراده بعد انتهاء أعمال الحراسة عند مسجد الجن أو ما يعرف بمسجد الحرس، وتتحدث بعض الروايات عن أن هذا الموقع الذي اهتدى فيه الجن، حيث ذكرت بعض المراجع التاريخية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد تلقى فيه بيعة الجن، ويعتبر المسجد من المساجد التاريخية القديمة المعروفة في مكة المكرمة، ويقع في موضع الخط الذي اختطه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لابن مسعود ليلة استمع إليه الجن وأمره ألا يتجاوز هذا الخط حتى يعود، وفي هذا الموضع قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، على الجن ربعا من القرآن وفيه نزلت سورة الجن، وما يميز مقبرة المعلاة أنها منذ بدء الإسلام ضمت بين جنباتها رفات كثير من الصحابة والتابعين وتابعيهم، من الأئمة والعلماء المشهورين.
وفى النهايه العبره والعظه، فلقد جعل الله عز وجل للمسلم حرمة في حياته وحرمة بعد موته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن كسر عظم المؤمن ميتا مثل كسره حيا” رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد، وعن عطاء قال حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بنت الحارث، زوج النبى صلى الله عليه وسلم، بسرف وهو موضع قريب من التنعيم بضواحي مكة المكرمة، فقال ابن عباس “هذه زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها وارفقوا” فقال الحافظ ابن حجر قوله “وارفقوا” إشارة إلى أن مراده السير الوسط المعتدل، ويستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته.