الدكرورى يكتب عن سيد الشهداء الحسين بن علي ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
سيد الشهداء الحسين بن علي ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع سيد الشهداء الحسين بن علي، وقد وُلد الحسين بن علي في المدينة المنورة، وأراد أبوه أن يسميه حربا، فسماه جده محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الحسين، وأذن له في أذنه، ودعا له، وذبح عنه يوم سابعه شاة، وتصدق بوزن شعره فضة، وكان يقول عنه جده محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم “حسين مني وأنا منه أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط” ونشأ الحسين في بيت النبوة بالمدينة ست سنوات وأشهرا، حيث كان فيها موضع الحب والحنان من جده النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فكان كثيرا ما يداعبه ويضمه ويقبله، وكان يشبه جده النبي صلى الله عليه وسلم خلقا وخُلقا، فهو مثال للتدين في التقى والورع، وكان كثير الصوم والصلاة يطلق يده بالكرم والصدقة، ويجالس المساكين.
وقد حج خمس وعشرين حجة ماشيا، وبعد وفاة معاوية بن أبى سفيان سنة ستين، ولي الخلافة يزيد بن معاوية فلم يكن له هم حين ولي إلا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية البيعة له، فكتب إلى عامله على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان يأمره بأخذ البيعة من هؤلاء النفر الذين أبوا على معاوية استخلاف ولده، وعلى رأسهم الحسين بن علي رضى الله عنه، وقد خرج الحسين بن على تحت جنح الظلام متجها إلى مكة، واستصحب معه بنيه وإخوته ومعظم أهل بيته، وفي الطريق لقي ابن عمر وابن عباس الحسين وابن الزبير في طريقهما إلى مكة، وكان ابن عمر وابن عباس قادمين منها إلى المدينة فسألاهما عما وراءهما، فقالا قد مات معاوية، والبيعة ليزيد، فقال لهما ابن عمر “اتقيا الله، ولا تفرقا جماعة المسلمين”
وعندما قدما المدينة وجاءت البيعة ليزيد من البلدان بايع ابن عمر وابن عباس، ولم تكد أخبار وفاة معاوية ولجوء الحسين وابن الزبير إلى مكة ممتنعين عن البيعة ليزيد، تصل إلى أهل الكوفة حتى حنوا إلى تمردهم وانتقاضهم القديم، فراسلوا الحسين بن علي ودعوه إليهم ووعدوه النصرة، ولقد كثر إرسال الكتب من أهل العراق إلى الحسين رضى الله عنه، وخاصة بعد ذهابه إلى مكة يحثونه فيها على سرعة المجيء إليهم، فقد كتب إليه بعض أهلها “أما بعد، فقد اخضرت الجنان، وأينعت الثمار، وطمت الجمام، فإذا شئت فأقدم على جندٍ مجندة لك، والسلام” فالتزم الحسين بن علي رضى الله عنه الحذر والحيطة، وأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل إلى العراق ليكشف له حقيقة هذا الأمر والاتفاق، فإن كان متحتما وأمرا حازما محكما بعث إليه ليركب في أهله وذويه.
فسار مسلم من مكة فاجتاز بالمدينة، حتى وصل إلى مشارف الكوفة، فلما دخل مسلم بن عقيل الكوفة، تسامع أهل الكوفة بقدومه فجاءوا إليه فبايعوه على إمرة الحسين بن علي، وحلفوا له لينصرنه بأنفسهم وأموالهم، فاجتمع على بيعته من أهلها ثمانية عشر ألفا، ولقد كان الشيعة في الكوفة يبايعون مسلم بن عقيل سرا مستغلين ورع عامل يزيد على الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري، الذي لم تجد نصائحه لهم بالطاعة ولزوم الجماعة حتى كتب بعض أهل الكوفة الموالين لبني أمية إلى يزيد بما يحدث، فأرسل إلى عبيد الله بن زياد عامله على البصرة يضم إليه الكوفة أيضا لكي يقضي على بوادر هذا التمرد، ويطلب من أهل الكوفة النصرة والبيعة، ولقد استطاع ابن زياد أن يكتشف أمر مسلم بن عقيل ومقره وأعوانه عن طريق مولى لهم.
فقبض ابن زياد على بعض أتباع مسلم بن عقيل وحبسهم، ثم تمكن ابن زياد من مسلم بن عقيل فضرب عنقه، وعندما تتابعت الكتب إلى الحسين من جهة أهل العراق، وتكررت الرسل بينهم وبينه، وجاءه كتاب مسلم بن عقيل بالقدوم عليه بأهله، ثم وقع في غضون ذلك ما وقع من قتل مسلم بن عقيل، والحسين بن علي رضى الله عنه، لا يعلم بشيء من ذلك، فعزم على المسير إليهم، وكان ذلك أيام التروية قبل مقتل مسلم بيوم واحد، فإن مسلما قتل يوم عرفة، وعندما استشعر الناس خروجه أشفقوا عليه من ذلك، وحذروه منه، وأشار عليه ذوو الرأي منهم والمحبة له بعدم الخروج إلى العراق، وأمروه بالمقام في مكة، وذكروه ما حدث لأبيه وأخيه معهم، فقد جاء ابن عباس إلى الحسين بن علي فقال له يابن عم، إني أتصبر ولا أصبر، إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك.