الدكرورى يكتب عن العلوم الروحانية ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
العلوم الروحانية ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع العلوم الروحانية، وإن دراسة للوقائع الإسلامية في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تكشف أن الروحانيات كانت ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملاته اليومية، في رخائه وشدته، في يسره وعسره، فكان صلى الله عليه وسلم يضمد بذلك جراح نفسه، ويجبر انكسار قلبه، وكان بوفاة زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها، وعمه أبي طالب، فقد تكالبت عليه صلى الله عليه وسلم الأحزان وزادت همومه، فعزم على الخروج إلى الطائف راجيا ومؤملا أن تكون أحسن حالا من مكة، وأن يجد من أهلها نصرة لدين الإسلام، فكلم أهل الطائف عن الإسلام، فكذبوه وردوا عليه ردا عنيفا، وطردوه صلى الله عليه وسلم من الطائف طردا.
وشردوه تشريدا، وتهاوت عليه الأحجار من كل مكان، وأسمعوه من شتى أنواع السب والشتم، مذلة وما أعظم مذلة، دموع الأسى تذرف من عينيه الشريفتين، ودماء طاهرة تتدفق من قدميه، فالتجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بستان يحتمي بأشجاره من الحجارة، وقد تحركت في وجدانه كلمات صادقة، وابتهالات روحانية، فرفع يديه صلى الله عليه وسلم إلى السماء مناجيا ربه بكلمات روحانية تنبع من أعماق قلبه الحزين فقال ” اللهم إنى إليك أشكو ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس، إلى آخر الدعاء” فقد اهتز لهذا الدعاء عرش الرحمن، فأرسل الله سبحانه وتعالى جبريل عليه السلام لينتقم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد رحلة الطائف.
وما لاقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أهلها لكن بعده الروحاني صلى الله عليه وسلم جعل تتحرك عنده عاطفة الرحمة فيقول صلى الله عليه وسلم “بل أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يغبد الله وحده ولا يشرك به شيئا” رواه البخارى، وهكذا فإن البعد الروحاني له بالغ الأثر في الوقاية من الأمراض النفسية والبدنية، وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على أن رسالة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم رسالة شاملة وجامعة لقوانين تنظم حياة الإنسان، بما تجعله يعيش حياة سوية متوازية، تملؤها الثقة بالله تعالى أولا والناس ثانيا والمحبة، لا إفراط فيها ولا تفريط، وإن البعد الروحاني الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أساس الإشراقات الحضارة الإسلامية.
وسر دخول الناس في الإسلام أفواجا، وإن المقصود من البعد الروحاني في الإسلام هو الصلة بالله تعالى، وانشداد النفس به تعالى من حيث الإيمان والإخلاص، وإن الجانب الروحي المرتبط بالله تعالى، هو الذي يشكل الأساس الذي يقوم الشخصية الإسلامية، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم بالتربية الروحية، فقبل الإسلام كان صلى الله عليه وسلم يختلي بنفسه إلى غار حراء، يمشي ما يقارب ثلاث كيلومترات في أوعر طريق، وأصعب مسلك، ويصعد إلى قمة الجبل، ليجلس بين صخور، يتأمل في ملكوت السماوات والأرض، ويفكر في الحقائق الكبرى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعبد في غار حراء الليالي ذوات العدد، ويعتكف فيه في كل سنة شهرا بأكمله.
وكانت السيدة خديجة رضى الله عنها تأتيه بالطعام والشراب، ولقد اهتم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ببناء الشخصية الإسلامية بالعبادة الباطنية من إيمان وإخلاص لله تعالى، ومجاهدة النفس، وبالعبادة الخارجية من صلاة وصيام و معاملات، وهو تأثير متبادل بين العبادة الباطنية والعبادة الداخلية، ويتضح لنا من سيرة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم جوانب مشرقة، وهمة عالية، وعقلية منفتحة، مبنية على طاعة الله تعالى، ومحبة الناس، ومعرفة عيوب النفس، ومداخل الشيطان، واهتمامه صلى الله عليه وسلم بما يرقق القلوب، ويذكر بالآخرة، وهكذا فإن الدارس لسيرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يستقرأ أبعادا روحانية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.