الدكرورى يكتب مقتل عثمان بن عفان “جزء 3”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
مقتل عثمان بن عفان “جزء 3”
ونكمل الجزء الثالث مع مقتل عثمان بن عفان، فقام رجل من أهل الفتنة يسمى قترة، فقتل الغلام، فقام غلام آخر، وقتل قترة، فقام القوم، وقتلوا الغلام الثاني، وقتل أيضا بعض الصحابة، وبعض أبنائهم، وجُرح عبد الله بن الزبير، كما جُرح الحسن والحسين رضي الله عنهم جميعا، وهم يدافعون عن عثمان بن عفان، ولما قتل عثمان رضي الله عنه، قبل صلاة المغرب، تقدم مجموعة من الصحابة إلى بيته وصلوا عليه في بيته بين المغرب والعشاء، وحمله الصحابة رضوان الله عليهم جميعا إلى مكان خارج المدينة يُسمى، حش كوكب، وهو غير المكان الذي يدفن فيه أهل المدينة موتاهم، وقد ذهب به الصحابة رضوان الله عليهم إلى هذا المكان، لأنهم كانوا يخشون عليه من أهل الفتنة أن يخرجوه جسده، ويمثلوا به، أو أن يقطعوا رأسه رضي الله عنه.
كما حاولوا ذلك بعد قتله، وقد ترك عثمان رضي الله عنه في بيته وصية كان فيها “بسم الله الرحمن الرحيم، عثمان بن عفان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الله يبعث من في القبور، ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد، عليها يحيى وعليها يموت، وعليها يبعث إن شاء الله تعالى” فهذا هو الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضى الله عنه، فهو أول الناس إسلاما بعد أبي بكر الصديق، وعلي بن أبى طالب، وزيد بن حارثة، وهو أول من هاجر من المسلمين إلى الحبشة بأهله، ولذا قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم” إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط ” وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان أشبه الناس بإبراهيم عليه السلام.
كما جاء عن السيدة عائشة رضي الله عنها، حيث قالت لما زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته أم كلثوم قال لها ” إن بعلك أشبه الناس بجدك إبراهيم وأبيك محمد ” وجاء عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إنا نشبه عثمان بأبينا إبراهيم ” وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة في أكثر من مرة، ومن ذلك ما ذكره البخاري عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عثمان بن عفان حين حوصر أشرف على الناس فقال “أنشدكم بالله، ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزتهم ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حفر بئر رومة فله الجنة ؟ فحفرتها” فصدقوه بما قال فعندما علم الصحابة رضي الله عنهم بمقتل عثمان.
وعلموا أمرا آخر عجيبا، فالقتلة بعدما فعلوا هذه الجريمة النكراء، فعلوا كما فعل أصحاب نبي الله موسى عليه السلام لما عبدوا العجل، فقد ندموا على هذا أشد الندم، فهؤلاء القتلة بعد أن شاهد كثير منهم الدماء، وشاهدوا عثمان بن عفان رضي الله عنه طريحا على الأرض شعروا بجرمهم وبسوء ما فعلوا، فندموا على ذلك، ونقل إلى الصحابة رضي الله عنهم هذا الأمر، فقال الزبير بن العوام رضي الله عنه “إنا لله وإنا إليه راجعون” ثم ترحّم على عثمان، وبلغه أن الذين قتلوه ندموا فقال تبا لهم، ولما بلغ الإمام علي بن أبى طالب، رضي الله عنه هذا الخبر، وقيل كان بحضرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما بلغه هذا الخبر، الحسن، والحسين، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن طلحة بن عبيد الله، فلطم الحسين، وضرب الحسن، في صدره.
وسب عبد الله بن الزبير، ومحمد بن طلحة، وقال لهم كيف يُقتل، وهو بين أيديكم؟ ثم قال اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ثم قالوا له إنهم قد ندموا على ما فعلوا، ولما بلغ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه خبر قتل عثمان رضي الله عنه استغفر له وترحم عليه، ثم قال اللهم اندمهم ثم خذهم، ودعوته رضي الله عنه مستجابه لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم له أن يكون مستجاب الدعوة، واستجاب الله عز وجل لدعوته، فقد أقسم بعض السلف بالله إنه ما مات أحد من قتلة عثمان إلا مقتولا، وتأخر بعض هؤلاء القتلة إلى زمن الحجاج، وقتل على يده، ولم يفلت أحد منهم من القتل، وباءوا بشرَّي الدنيا والآخرة.