الدكرورى يكتب عن موقف الشرع من طلاق فاقد العقل ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع موقف الشرع من طلاق فاقد العقل، فالمرأة لا تزوج نفسها، لا بطريق الأصالة، ولا بطريق الوكالة، وإن أحق الناس بالولاية على المرأة في النكاح أقربهم، والولاية في النكاح للعصبة، وهم من جهة الأب، فيزوجها وليها العاصب، الأقرب فالأقرب، الأب، ثم الجد، ثم الولد، ثم الأخ، وهكذا، وأما الأقارب غير العصبة فلا ولاية لهم إلا بتوكيل، كالأخ لأم، والخال، والجد لأم، فإن هؤلاء لا ولاية له في تزويج المرأة، وإذا لم يكن الولي أهلا للولاية يزوجها الولي الذي بعده، والناس اليوم في كثير منهم كفر، أو فسق وفجور، فإذا كان الولي غير صالح، وما أكثرهم في هذه الأيام زوجها الولي الذي يليه، وإذا لم يكن للمرأة أولياء من العصبة.
يزوجها القاضي ومن يقوم مقامه، ويجب على الولي أن يتقي الله، وأن يراعي مصلحة المرأة، ويزوجها من هو كفؤا لها دينا، وخلقا إذا رضيته، ولا يحل له أن يمنعها من الكفء فإن فعل فقد عصى الله ورسوله، وسقطت ولايته عليها، ويزوجها الولي الذي بعده، وإن من شروط عقد النكاح هو رضا المرأة إذا كانت بالغة، فلا يجوز تزويج المرأة بغير رضاها سواء كانت بكرا أم ثيبا، وسواء كان الذي يريد أن يزوجها أباها أو غيره فقال النبي صلى الله عليه وسلم “لا تنكح البكر حتى تستأذن ” وفي رواية لمسلم، والبكر يستأذنها أبوها فأما الثيب فإنها تعرب عن نفسها لما اعتادته من أمر الزواج، وأما البكر فلغلبة الحياء عليها يكتفى منها بالصمت.
وإن إذنها هو صماتها إذا لم تستطع التصريح، وإذا كنا نقول نعم للزواج المبكر، فإننا نؤكد على حسن التربية وأداء الأمانة بتهيئة الفتاة لحياتها الزوجية، وتعليمها وتربيتها لتحمّل المسؤوليات في بيتها، وإن العقبة الكبرى هى غلاء المهور، فقد حول غلاء المهور الزواج إلى أمر شاق، ولا يطاق إلا بجبال من الديون التي تثقل كاهل الزوج، مع أن المهر في الزواج وسيلة لا غاية، وإن المغالاة فيه المهور، والمباهاة بها، وتقويم الخاطب بمقدار ما قدّم من مهر، لهو صغر في النفس، ونقص في العقل، كما أن إرهاق الخاطب بالمهر الكثير، واشتراط الهدايا الكثيرة لأقارب الزوجة لهو جشع وطمع وانتهازية تورث الضغائن، وترهق بالديون، وتعيق مسيرة الزواج في المجتمع.
وتسبب الزواج من مجتمعات أخرى، بينما تمتلئ البيوت بالعوانس، فسبحان الله أين الرحمة في قلوب هؤلاء الأولياء؟ كيف لا يفكرون بالعواقب؟ هل يسرهم أن يسمعوا الأخبار المفجعة عن بناتهم مما يندى له جبين الفضيلة والحياء؟ وإن من المؤسف حقا، أن بعض الأولياء وصل به الجشع والطمع أن يعرض ابنته الحرة الكريمة سلعة للمزايدة، وتجارة للمساومة، وتلكم والله صورة لئيمة يترفع عنها كرام المؤمنين، بل إن كرام المؤمنين يبحثون بأنفسهم عن الأزواج الأخيار لبناتهم، كما عرض عمر رضي الله عنه ابنته حفصة على أبي بكر، ثم على عثمان، رضي الله عنهم أجمعين وكما زوج سعيد بن المسيب رحمه الله ابنته لتلميذه أبي وداعة، ومن العضل.
هو سوء خلق الولي مع الخطاب، فيبتعد الناس عن التقدم لخطبة ابنته أو موليته، لشدته وتجهّم وجهه واغتراره بنفسه ومركزه، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله “ومن صور العضل أن يمتنع الخطاب من خطبة المرأة لشدة وليّها” ومن أسوأ صور العضل، حجر المرأة على أحد أبناء قرابتها، فلا يسمح لها وليّها بالزواج من غيره، ولو بقيت عانسا طول حياتها وهذه جريمة كبيرة وأنانية مفرطة، تراعي أعرافا بالية، وتخالف الشريعة الخالدة، وإن المرأة لا يجوز أن تجبر على نكاح من لا تريد، وولاية أبيها عليها ولاية مصلحة وصيانة، وحفظ وأمانة، وليست ولاية تسلط وتجبّر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ” لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن” فقالوا يا رسول الله، فكيف إذنها؟ قال “أن تسكت” رواه البخارى ومسلم.